
بقلم: ذهبة حسن آل مجيش
(((زاوية قراءة فنية)))
إشراف أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بجامعة الملك خالد، ومدير الجمعية السعودية للفنون التشكيلية بعسير
الدكتور علي مرزوق
بالنظر إلى لوحة الفنان السريالي سلفادور دالي، يقف المتلقي أمام مشهد غير مألوف، يمزج بين عناصر بشرية، وجغرافية، وبيئية، في توليفة سريالية توحي بميلاد شيء ما. يلفت العمل الانتباه عبر رموزه الغامضة وتكويناته الغريبة، مما يدفع المتأمل إلى الغوص في أعماقه، باحثًا عن المعنى خلف الصورة.
أحاول أن أفصل نفسي عن الواقع، وأن أغوص في عالم دالي، حيث تتلاشى الحدود بين الحقيقة والخيال، ويذوب الواقع في حلم لا منطق له. تبدو اللوحة وكأنها تحكي عن ولادة جديدة للعالم، أو عن فكرة الخلق، أو ربما الصراع الداخلي، والتحول الوجودي.
تتوسط اللوحة بيضة ضخمة، تأخذ شكل خريطة العالم، وداخلها جسد إنساني يولد بقوة، كأنما يشق طريقه من العدم. يخرج الجسد من شق في البيضة، ممسكًا برأسه، كما لو أنه يتألم أو يصارع من أجل الخروج إلى الحياة.
من أسفل البيضة، تنزف بقعة حمراء فوق قماش أبيض، بينما تظهر القارات بوضوح: أوروبا، وأفريقيا، وأمريكا الجنوبية، في إشارة إلى بعد كوني عميق، يتجاوز الفرد ليطال مصير الأرض والبشرية جمعاء.
على يمين اللوحة، يظهر رجل نحيل، عارٍ، يمد يده إلى الكائن الوليد في البيضة، وتبدو نظرته مزيجًا من الحيرة والتأمل، وقد يكون هذا الرجل رمزًا للإنسان، أو للزمن الذي يشهد على لحظات التحول.
في أعلى اللوحة، يتدلى قماش مذاب، كما لو أنه ينسكب من السماء، في صورة لا يمكن أن توجد إلا في الأحلام، ما يعزز الطابع السريالي للوحة. أما الخلفية، فهي صحراوية قاتمة، تهيمن عليها ألوان الغروب أو الشفق، لتضفي على المشهد كله إحساسًا بالغموض والانتهاء والبدء في آنٍ واحد.
أمام كل هذا الزخم الرمزي والسريالي، لا يسع المتلقي إلا أن يتوقف عند سؤال جوهري:
هل يمثل هذا الجسد الخارج من البيضة ولادة لعالم جديد؟
أم أننا أمام مشهد يعكس ألم التحول الإنساني، وصراع الإنسان مع ذاته، ومع الزمن، ومع مصيره الذي لا يُفهم إلا من خلال الألم والدم؟

عسير صحيفة عسير الإلكترونية
طرح جميل ومميز وقراءة رائعة للفن مستمتعه جدا مع كل كلمة
شكرا من الاعماق
سرد وقراءة للوحة اعجز عن وصفه ،، حبذا لو تتحفنا الاستاذة بالمزيد والشكر موصول للدكتور الذي اسعدنا بهذا النقل الفريد
الشكر لله ثم لمرورك أختي الكريمة
وهذا دليل رقيك وذوقك الفني