
بقلم: فيحان الرديني
عندما نتوقف قليلًا أمام هذه اللوحة للفنان العالمي سلفادور دالي، ونتأملها بهدوء، دون استعجال في الفهم أو التحليل، نمنح أنفسنا فرصة لأن نصغي لما تقوله الصورة لنا. نترك أعيننا تتجوّل بين تفاصيلها، وننسى للحظة كل ما نعرفه عن الرسم والفنان. نتعامل مع اللوحة كأننا نراها لأول مرة، وكأننا نغوص داخلها ونحاول أن نشعر بها أكثر من أن نفهمها.
في نظرة أولى، نلاحظ ملامح وجه إنساني، لكنها مشوهة وغير واضحة. الأنف طويل بشكل غير طبيعي، والفم بالكاد يُرى، كأن يدًا تكممه أو تحاول تشكيله. إحدى العينين ظاهرة بوضوح، أما الأخرى فتبدو ناقصة أو مقلوبة. في الخلفية، نرى سماء زرقاء هادئة، تتخللها كائنات أو مبانٍ طويلة جدًا، تقف على أرجل نحيلة تشبه العصي، وكأنها بلا وزن. هناك عناصر طائرة في السماء، وطيور تحوم، بالإضافة إلى مساحة مائية أو أرضية غامضة المعالم، ما يعزز من الشعور بعدم الوضوح.
هذا التكوين يفتح أمامنا العديد من التساؤلات: هل هذا الوجه حقيقي؟ لماذا تظهر يد من داخله؟ ما المقصود بهذه الأبراج الغريبة والسيقان الممدودة؟ هل تحمل اللوحة رسالة نفسية؟ هل تعبّر عن قلق أو خوف؟ أم ربما عن حلم… أو كابوس؟
للإجابة، يمكن القول إن العمل ينتمي بوضوح إلى المدرسة السريالية، التي تعبّر عن الأحلام واللاوعي والمشاعر الدفينة. الوجه المشوه قد يرمز إلى شخص يعاني من التشتت أو فقدان الهوية، وربما تشير اليد التي تغطي الفم إلى قمع داخلي أو عدم القدرة على التعبير. أما الأبراج النحيلة والسيقان الطويلة، فقد ترمز إلى أفكار أو رغبات هشة، غير متجذرة في الواقع.
الجو العام للوحة يبعث على الغرابة، ويحمّل المتلقي بمزيج من المشاعر: قلق، دهشة، وربما إحساس بالضياع. إنها لوحة لا تُقدّم الجمال بشكل تقليدي، لكنها تجذبك وتأسرك، ليس بجمالها الظاهري، بل بما تثيره فيك من أفكار وتساؤلات. إنها من نوع الفن الذي لا تقول عنه “جميل” فورًا، بل تقول “فيه شيء شدّني”.
عسير صحيفة عسير الإلكترونية