لا ينسف محاولات التصحيح لجهاز الهيئة سوى العنتريات المتقطعة والمحاولات الفردية لركوب الرأس، والقناعة المتصلبة في رؤوس بعض أفراده بأن الإصلاح وعلاج الأخطاء وردم السلوكيات المتجاوزة يبدأ باليد أولاً، وركن العقل من قبل ذلك. في أبها قبل بضع ليال تفرعن عضو هيئة مفتول على شاب في الثامنة عشرة من العمر ودخل معه في معركة من طرف واحد وبمساندة متقطعة من عضو هيئة آخر كان حريصاً على هيبة البشت أكثر من حرصه على أي شيء آخر، في حين أن صاحبنا ذا العضلات تنازل عن بشته من أجل الفوز بالمعركة وتحقيق بطولة مختلفة، وللحق فإن المعركة لم تكن تستحق هذا الحماس وتشمير اليدين وقذف البشت في مشهد طريف مؤلم بآن واحد.
مهما كان جرم الفتى المغلوب على أمره إلا أن ما قام به عضو الهيئة ورفيقه المتردد يمثل فعلاً طائشاً وخاطئاً ومشوهاً للصورة، ومعيداً لسيناريوهات مشابهة تراكمت في الذهنية الاجتماعية، حتى بات رجل الهيئة مكروهاً ومخيفاً في آن واحد، وهذا ما لم يؤسّسْ الجهاز من أجله، ولا كانت الآمال والتطلعات منحصرة في ظلام هذه الزاوية.
من سمح لعضو الهيئة أن يصفع المراهق على وجهه؟ وهل كان هذا هو الحل الوحيد لإيقاف الشاب أو الحصول على إثباته كما تحدثت تفاصيل المعركة؟ وما هو موقف عضو الهيئة لو أن الشاب المحاصر بادل الصفعة بصفعة؟ والمهم: «كيف أصبحت صورة عضو الهيئة بعد هذا الفتح العظيم»!.
سأقف هنا مع الرد الدائم المتوقع من القارئ ذي العين الواحدة حين نتحدث عن الجهاز ويقول: أنتم معشر الكتاب تتصيدون أخطاء أفراد الهيئة ولا تجرؤون على اصطياد أخطاء غيرهم. لأقول له إن أخطاءهم يوافقهم عليها كثير ويدافعون عنها، ويرون أنها تصحيحية ونابعة من سقف أعلى للوازع الديني يتجاوز أي سقف مجاور.
أنتظر من المؤسسة الدينية الممثلة في جهاز الهيئة أن تعترف بفداحة تصرف عضو هيئة أبها، وأن تسائله وتحاسبه على أنْ تفاعَل مع الشاب، وكأنه مضبوط في ترويج مسكر أو شقة دعارة، ثم تعيد للشاب شيئاً من إنسانيته؛ فالضرب على الوجه مؤلم وذو آثار سلبية كبيرة. وسأنسى من يضربني في أية ناحية من جسدي، لكنني سأظل ناقماً على من يستوطن وجهي بيده، ومن يلوم الشاب إن عاش طيلة عمره كارهاً للهيئة!
و أقول لجهاز الهيئة: عاقبوا أبطال الحلبات، وانزعوا عنهم البشوت، واكتفوا بإبراز هوية العمل، فعضو الهيئة ليس مجرد بشت ورائحة دهن عود، بل يجب أن يكون هادئاً ومتزناً ومتحملاً كل الأحداث المحيطة، ومغلباً للعقل لا العاطفة، واليقين على الشك، وفوق كل هذا يَسْتَحْضِر أن الأمر بالمعروف مقدم على النهي عن المنكر، وأن تأثير الجهاز بحسن التعامل لا بفرد العضلات.>