كنت قد بدأت قبل أسابيع عديدة في إعداد الأسطر الأولى لمقال اليوم ، ولتفاؤل كان ينتابني ، قمت بتأجيل الكتابة إلى أجل ظننته لن يأتي ولكن تفاؤلي كان في غير محله.
أكتب اليوم متحدثا – بالنيابة – عن منطقتين جغرافيتين هما ” عسير و جازان ” ، حين مسحتهم وزارة المياه والكهرباء من إستراتيجية المستقبل على مستوى المياه تحديدا واستحدثت ابتكارا جديدا يرى الاكتفاء بالسدود كمصادر توفير للمياه في هذين المكانين وكأنهما خارج الخارطة الجغرافية المحلية .
لن اسأل معالي الوزير عن سر إلغاءه توسعة المرحلة الثالثة من توسعة محطة الشقيق التي تخدم المنطقتين المصدومتين من القرار ، ولن أتجادل معه في الوقت القاتل ، لكني بحاجة ماسة لأن اعرف ما سر اعتماده للمشروع من الأساس ، ولماذا مَنَحَ مَنْطقتين كاملتين أملا عملاقا ، وطمأنينة مؤقتة على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم ، ثم يأتي فيقتلها بإمضاء على قرار غريب التوقيت والتبرير .
أعلم يا معالي الوزير أن كلفة المشروع لخدمة الجبل والطين ليست بمثل كلفة المشروع الذي يخدم السهل والصحراء ،ولكن احتياج المواطن هو متشابه وواحد هنا أو هناك ، والسدود – التي هي المبرر الوحيد – إذا كانت حاضرة في مكان عن آخر فهي بمثابة مصدر احتياطي بديل لا أساسي دائم ، إلا إذا كانت ترى بعض الوزارات أن صرف المبالغ على بعض الأمكنة مبالغ فيه ففي هذه الحالة علينا بالخارطة الجغرافية والآلة الحاسبة .
ربما تأتي أزمة مياه قادمة على المنطقتين ومعاليه قد ترجل من على الكرسي الوثير / المثير ، وهنا نحضر حلول جديدة تُسْكِت زمنا ، ولا تغني من أزمة مرتقبة ، كوارثنا وأزماتنا يتحدث عنها المواطنون قبل أن تحدث وكأنهم المعنيون الرسميون بإيجاد الحلول وترقب النتائج واستثمار الفرص والوزارات تتبنى قراراتٍ “ما ” ربما اعتمادا على حالة مزاجية أو فكرة معترضة اصطدمت برأس عنيد في زيارة مفاجئة .
كنت أعتقد بشكل شخصي أن المبلغ المالي لتنفيذ المشروع هو ما دعى المسئول الأول في الوزارة لتبني فكرة الإلغاء ورمي الحل على السماء وما تجود به على السدود ، لكني صدمت حين علمت أن الوزارة قامت بتوزيع مبلغ المشروع بالقسمة على اثنين حتى تستفيد كل منطقة من مبلغها المقرر حسب القسمة الوزارية والتي تُفْهَم حرفيا بأنها إسكات للأصوات ، وجائزة ترضية على أن تم هضم الحقوق بصمت ، وليت أن الوزارة ذهبت بالمبلغ إلى أماكن أخرى حتى نتأكد أن الرؤية لم تقف على مصدر السدود بل أنها تتحدث سرا ” بأن على المواطن الجنوبي أن يعرف ويتعرف على ماهية الماء من السماء مباشرة أما البحر فلا حاجة لأن يعرف ماءه إلا إن كان يشرب منه مباشرة ” .
تخيلوا فقط أن أمنا مائيا لمنطقتين بالكامل متوقف على قرار عاجل ومصادرة قرار جائر فائت ، انه قرار هام من أجل مستقبل غامض ، وعلى الأقل حتى لا يشعر أهل المكانين بأن هناك قسوة ونظرة قاصرة فليلغي معالي الوزير قرارات أخرى بذات الحجم من الأمل والتخطيط والرؤية البعيدة ويشرك مناطق أخرى في الهم والألم وتحدي المستقبل ، وحينها أعده بالنيابة عنهم أيضا أن نشرب من ماء السدود – لا البحر – على حد رغبته .