وصل “الترف” بأهل الجنوب قبل نحو ستة وثلاثين عاماً إلى إنشاء جمعية للحمير، وتم استقطاع نسبة من رواتب الموظفين، وأنا منهم، لهذه الجمعية.
وكان الهدف من هذه الجمعية الرِّفق بالحيوان ودرء المخاطر عن حفنة حمير هائمة في وادي ضلع، وهذا الوادي – لمن لا يعرفه – من خارج منطقة الجنوب، هو ملتقى الأُسَر في المساء، وملتقى “بشكات” الموظفين والمعلمين؛ لطبخ المفطحات والمندي والحنيذ، حتى إن بعض العوام أطلق عليه اسم “وادي تسمين المعلّمين”، الذين يقودون هذه التجمعات على مدار ليالي الأسبوع رغم تحذيرات الدفاع المدني من مخاطر السيول، لكن البطون شيء وضحايا السيول سنوياً شيء آخر.
فكرة إنشاء جمعية للرفق بحمير الجنوب بدأت بشبك على أرض “بور”، وفي المساء سرق مجهولون أو “بفعل فاعل” سيان “الشبك”، وتسربت الحمير في الوادي. عموماً تاهت أوراق المشروع منذ ذلك اليوم إلى الآن. وهذا المشروع الحيوي العملاق يحاكي في قيمته وأهميته مشروع بَيْع الأهرامات الثلاثة،أو هكذا كان السيناريو، وترك لنا المشروع التاريخي نماذج من الحمير “المتنَّحة” التي تعاني الهزال والإهمال حتى شارفت على الانقراض من المنطقة. وقد كانت الفكرة في حينها مقبولة على مضض، خاصة أن المواطن البسيط كان مشغولاً بالبحث عن رغيف الخبز، وشارفنا حينها على القضاء على الأمية قبل استفحالها في السنوات القليلة الماضية بسبب خطر الفقر الذي يحاصر 40% من سكان الجنوب، وكانت البطالة حينها محصورة في عدد ضئيل، عكس واقع الحال هذه الأيام، ولا تنشد الحال.
عقود من الزمن مضت على فكرة إنشاء جمعية للرِّفق بالحمير في الجنوب، وسبع سنوات مضت على شق نفق مدخل مدينة خميس مشيط عاصمة الجنوب التجارية، ومثلها مضت على وضع حجر الأساس لعدد من المشاريع، وسنوات عدة مضت على مشروع المدينة الصناعية، وسبع عجاف أيضاً على المدينة الطبية التي علَّق لوحتها الدكتور الوادعي للضحك على وزير الصحة خلال زيارته الأخيرة؛ فاللوحة موجودة إذاً الأمور كلها تمام، حتى وإن بدت أرض المشروع أمام الوزير أرضاً جرداء، وحتى لو كانت المبالغ المرصودة لإقامة هذه المدينة لم ترصد بعد، ولا يدري عنها الوزير ولا أنا!
تُرَى، لو نفَّذ أهل الجنوب مشروعهم الاقتصادي الضخم.. كيف ستكون صادراتنا؟.. “حمار من الجنوب” ماركة تجارية تغزو الأسواق، وتتفوق على الحساوي بـ”القوة والجلد والمسامع المهطبلة”..!!!.. “حمار من الجنوب” ينهق بالنوتة الموسيقية، ويرفس بطريقة الفلمنغو الإسبانية،ويتغذى بالشوكة والملعقة، ومن المؤكد لو نفَّذ أهل الجنوب هذا المشروع فإنهم سيقضون على البطالة والفقر وسيعيشون في حبور وسرور، وينجبون أولاداً وبنات، وكملوها بسُكَّر نبات.
عاش أهل الجنوب حُلْم هذا المشروع العملاق، وفسر الحلم تباطؤ في تنفيذ المشاريع وفقدان عدد من أحجار الأساس لمشاريع لم ترَ النور.. المحصلة “حمار من الجنوب لا ودَّى ولا جاب”!!!!!!>