هذه العسير.. قصيدةٌ لا تنتهي

من ميزات العسيريين أنّهم – على اختلاف توجّهاتهم – يتعلّقون بالمكان تعلّقاً يكاد يتجاوز الحال البدهيّة عند الإنسان، والشعراء أكثرُ شغفاً بالمكان، حتّى بات تعلّق شعراء عسير بالمكان سمةً عامّة، ممّا أظهر أثرَ البيئة الطبيعيّة في لغتهم الشعريّة الزاخرة بمفردات الطبيعة، والمزدحمة بالصور المستقاة مما يحيط بهم، حتّى إنّ الناقد المصري عبدالله السمطي لاحظ أثر الطبيعة في شعرهم، وبنى عليه آراء نقديّة مثيرة، يقول: “منطقة عسير تعجُّ بالشعراء، على سبيل المثال: أحمد عسيري، والتيهاني، والحفظي، والنّجمي، وشحبي، وغيرهم كثيرون، لكن وبشكل حقيقي يعيش هؤلاء الشعراء وغيرهم في منطقة موحية شعريّاً،.. الطبيعة أفق لها، وشموخ الجبال، والمناظر الفاتنة الخلاّبة… إنّ هذه السّجايا التي تهبُها منطقة عسير لشاعرها هيّات له أن يكون شاعراً بالفطرة، وأن تكون حواسّه على مرمى صورةٍ أو معنى من قصيدة”، فهو يرى أنّ هذه الطبيعة الموحية قد حاصرت خيالَهم، ويرى في خضوع لغة شعراء عسير للطبيعة مأخذاً، حيث فرضت البيئة “على الشاعر العسيري أن يكون رومانتيكيّا من الطراز الأوّل، فالمكان فرضَ عليه جماليّاته وتفاصيله، ولا يمكن للشاعر لحظتئذ أنْ يسعى للفكاك من قيَمٍ جماليّة موروثة، وأن يصبح متخاصماً مع ذاته وحواسّه وقيَمه”. وهو الحكم الذي أثارَ ردود أفعال عدد كبير من أدباء منطقة عسير، فانبروا يناقشون السمطي في رأيه، ويدافعون عن فنّهم الشعري، في مقالات متباينة في الرؤى، متفقة في الهدف، ونشروا جلّها في صحيفة الوطن، ذات معركة أدبيّة، فأجابهم بمقالٍ يكرّس القولَ بتعلّق هؤلاء الشعراء ببيئتِهم الطبيعيّة، وكان عنوانه: “إذا كانت قضيّة شاعر اليوم التغنّي بالمطر فسلامٌ على الشّعر والشعراء”.

ومهما يكن من أمر، فلا خلاف حول تعلّق شعراء عسير ببيئتهم الطبيعيّة، وظهور آثارها في لغتهم، حتّى إنه يمكن القول بأنّ وصف الطبيعة ، والتعلّق بها، بل والتأثّر بعناصرها، كان موضوعاً مشتركاً بين شعراء عسير جميعهم، وأنّه كان موضوعاً شعريّاً واسعاً، حتّى إنّ بعض المختارات الشعريّة، قد اقتصرت على هذا الشعر الواصف لمنطقة عسير، أو بعض حواضرها، كما لم تخل المؤلّفات المختلفة التي تتعلّق بمنطقة عسير، من وصف طبيعتِها وصفاً يأتي على التفاصيل الدقيقة للجَمال، وهي حالةٌ يمكن تعليلُها بخصائص المكان الجغرافيّة والمناخيّة، واختلافه عن بقيّة المناطق السعوديّة، إلا أنّ الكلامَ يصيرُ خاضعاً للعاطفة إذا أُطلقَ دون دليل يعتمد على النظائر، ويتّخذ من قصائد الوصف عند غير شعراء عسير سنداً يدعمُ أسبابَ كثرة الشعر الواصف المحب، عند شعراء عسير؛ إذ إن من البدهيّ أنْ يبهر هذا الجمالُ الطبيعيُّ ألبابَ شعراء عسير، فهم أهل المكان وساكنوه، وهو ساكنهم أيضاً، إلا أنّ من الملفت أنْ يكون هذا الجمال مثيراً لعددٍ كبير من الشعراء العرب، وعددٍ أكبر من السعوديين من غير شعراء عسير، وسواء أطال المقام بهؤلاء في منطقة عسير، أم قصر، فقد فُتِنت أعينهم بجمال هذه الجهات، و وصفوها بقصائد بديعة، ومنهم شعراءُ حرصتُ – ذات حماس – على نشر قصائدهم فيما كنت أستطيع أن أنشر عبره من الدوريات والمجلات الأدبية، التي كنتُ أفنى فيها، ومن هؤلاء: الشاعر اللبناني نديم الرافعي، وقد لبث في أبها بضع سنين، والشاعر اللبناني سعيد الهندي، و الشاعر المصري حسن الجوهري، والشاعر السوري الدكتور عبدالقدوس أبو صالح، والشاعر السوري عبدالهادي حرب، والشاعر السوري محمد علي الحريري، والشاعر السوري محمد علي الصابوني، والشاعر اليمني أحمد بن محمد الشّامي، والشاعر العراقي يحيى السماوي، والشاعر الفلسطيني محمود سمارة، والشاعر الفلسطيني محمود مفلح، والشاعر الفلسطيني حسن منصور، والشاعر السوداني مصطفى سند، والشاعر السوداني محمد سعد دياب، وغيرهم كثير.

أمّا الشعراءُ السعوديّون، فقد كانت زياراتهم إلى منطقة عسير، باعثاً على القول في وصفها، ومن أمثلة هؤلاء: الشاعر الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي، والشاعر الدكتور محمد بن سعد بن حسين، والشاعر عبدالله بن سالم الحميد، والشاعر عبدالرحمن بن زيد السويداء، والشاعر أحمد الصالح، والشاعر جاسم بن محمد الصحيّح، والشاعر طاهر زمخشري، والشاعر إبراهيم صعابي، والشاعر أحمد بن يحيى البهكلي، والشاعر إبراهيم بن محمد الزّيد، والشاعر الدكتور محمد بن سعد الدبل، والشاعر حسين سهيل، والشاعر الدكتور منصور الحازمي، والشاعر الدكتور صالح بن سعيد الزهراني، وغيرهم كثير.

أليست هذه العسير قصيدة لا تنتهي؟

>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com