وزارة العدل: اعدلوا..

ظهرتْ لنا أزمات جديدة لا بدّ من مواجهتها، وهذا يقتضي استعدادنا النفسيّ والحسّيّ لقبول التّغيّر الفعليّ، ففي المجال الثقافيّ أثبتت الدراسة التي أجرتها (المجلة العربية) بأن 78% من المواطنين يقرأون الكتاب. وهذه معضلة أنْ يرتقي شعبٌ طالما وُصِفَ بالأمّيّة منذ جاهليته فجأةً إلى هذه الدرجة! معضلة على كلّ متنفّذٍ بيروقراطيّ نشأ على استِجْهال الشعب -كرعيّة- عليه رعايته لاعتقاده بأنه لا يعي حقوقه، وفي ضوء هزال إطارِ التقنين المُتاح بسبب الخضوع الشكليّ الذي لا يحملُ جوهراً في حفظ بعض المحفوظات والنصوص، بل ولم يزلْ بعض الشكلانيين الحفظة يطالبون وزير العدل بعدم قبول من درسوا القوانين بعد الشريعة. والقوانين العامة غير موجودة في دستورعام تخضعُ له الفروع سواء في مجال القضاء الذي قد يتولاهُ ابن الثامنة والعشرين الذي يعدُ مراهقاً في حقّ مهَنٍ كمهنة القضاء مثلما أن سنّ النبوّة كانت في الأربعين، والأدهى من ذلك: أن هذا القاضي قد يُعيّنُ في جهةٍ لا يعرف عن عاداتها وأعرافها الشرعية المهمّة شيئاً على الإطلاق، فضلاً عن الفقر المنهجيّ الذي نعرفه جميعاً في كلياّت الشريعة في مجالات (فقه المقاصد) وتعارض حصانة القضاة مع شبه انعدام في القدرة على الاجتهاد، وثقافة الالتزام بنصوص محفوظة أو مقروءة دون التأكد مما يقابلها من الناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمطلق والمقيّد..وأذكرُ حادثة ظريفة لأحد المواطنين الفلاحين الأميين في منطقة عسير، كان في خصام مع صاحبه أمام قاضٍ من منطقةٍ أخرى صحراوية لا يعرفُ معنى (شعِيْبَة)، لأنّ الشعيبة هي مجرى الماء الخفيف من أحد الجبال ولها قوانين في العرف الشرعيّ هنا لم يدركها ولم يفهمها فضيلة الشيخ الذي لم ير ولم يعشْ في مناطق المدرجات الزراعية وعقوم الأودية، فما كان من المواطن سوى أن ملأ جيوب (جيكيته الطويل) بالحجر واضطرّ إلى رسم الأرض وشعايبها بالحجر أمام الشيخ قائلا: يا شيخ: (واش أَدْرَى قاضي (امْصحْراي) بالبلاد)؟

إن لفظ (تطبيق الشريعة) مطاّطٌ يمكن استخدامه كلامياً رغم تعارض جوهره مع واقع الناس وجوهر الشريعة في حفظ الحقوق.

ولذلكم لم نجدْ وزارة العدل ولا أحداً من القضاة استطاع أن يرتقي بفقهه إلى درجة مجرد تفسير المراد من الأمر السامي الكريم الذي قضى بإيقاف الحجج في ضواحي المدن والقرى، حيثُ أُخذَ الأمرُ أخذاً حرفياًّ أجوفَ . فهو مبنيّ أساساً على حماية أملاك الدولة من المتنفذين الفاسدين الذين لم نزلْ نرى محاكمات بعضهم تجري في جدة وغيرها، والذين يسطون بنفوذهم الإداريّ مع ضعاف نفوس من السلك الشرعي على مساحات شاسعة من أراض صحراوية وسهلية مَواتٍ أو تملكها عائلات وقبائل لا حولَ لها أمامهم ولا قوة. هذا هو الجوهر المقصود من الأمر السامي، غير أن وزارة العدل أمرت المحاكم كافّةً بإيقاف الحجج خارج المخططات الرسمية، وبناءً عليه، فقد أحدثتْ وزارة العدل ومحاكمها ضرراً فادحاً عاماً بالناس في قراهم وهجرهم، فنصف جزيرة العرب الجنوبي لا يمكن أن تنطبقَ عليه كلمة (ضاحية)، إذْ كلها قرى متفرّقة متواصلة، وكان على وزارة العدل بحكم مسؤوليتها عن أثر هذه الكلمة أن تسعى فوراً مع من يملك هذا التفسير وتعميمه على المحاكم، وأنّ ملكيّة الأرض الزراعية أو المنزل منذ مئات -وبعض القرى- آلاف السنين تبررُ للمواطن الحقّ في الحصول على حجته، خصوصاً أنّ نظام الحجج يعدُ حديثاً على معظم القرى الهادئة في زراعتها ورعيها ولم تزل منذ ما قبل الدولة السعودية، وأقدميّتُها على شيء اسمه (وزارة العدل) تبرر إعطاء الجديد للمالك الذي قبله حقه لا تجميده بما يشبه المصادرة، مع علمنا ألّا أحدَ سيفرط في أملاكه، غير أن الإيقاف شرَّدَ مجموعات من الأسر التي تمرّ على ديارهم وأملاكهم مشروعات جديدة في هذه القرى، ولديّ في محافظتي نماذج أعرفهم بأسمائهم وسيماهم الحزينة لا تملك سوى الصبر والدعاء. وللحقّ: فقد اطّلعتُ شخصياً على عرضٍ تقدّمَ به قاضي محافظة (الدرب) في منطقة جازان وجهه إلى وزارة العدل، وأعلنه على لوحة إعلانات المحكمة تبرئة لذمّته، غير أننا لم نسمع بأن الوزارة حتى الآن اتّخذْت فيه شيئاً أو عرضتْهُ على من يملك هذا التفسير.

موجزُ الأمر: صدر أمر سامٍ بمنع منح الحجج على ما يقع ضمن ضواحي المدن والقرى والهجر، وطُبِّقَ دون تفسير أو منح القضاة صلاحية التفسير، وتسبب ذلك في إضرار بل وإحرام للمواطنين من أملاكهم، وشرد بعض الساكنين ضمن مشروعات دون تعويض أو سؤال، بينما لا يوجد هنا شيء يسمّى ضاحية، من المسؤول هنا عن تطبيق الشريعة؟ وأين الصلاحيات الشرعية للقاضي الذي عليه أن يحكم بين الدولة والمواطن كما يحكم بين الأفراد؟
>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com