أبناؤنا.. ربَّيناهمْ على أعيننا، ورعيناهم في مدارسنا، وحصَّناَّهمْ بمساجدنا، وناصحناهم عن طريق بعض علمائنا الذين ما لبثوا أن انتهجوا الوسطيَّة عندما وجبتْ عليهم سياسيا!! وبعد كل هذا يخرج علينا من هؤلاء الأبناء فئة نطلقُ عليها (الفئة الضالة)، وستظل هذه الظاهرة ما دمنا كما نحن نطلقُ المصطلحات إطلاقا إعلاميا دون تحرير لها! أ لمْ يكنْ نيلسُون مانديلا إرهابياً بآلة الإعلام المعادي وعندما نجح صار رمزا عالميا من رموز التحرر والديموقراطية؟
كثير من علماء المناصحة والوعظية هم تلامذة فكرنا الذي زرعناه بأيدينا منذ عقودٍ خلتْ عندما أقنعتْنا مناهجُنا التعليمية بكل مستوياتها بأننا المقصودون – بالذات وفقط – بقوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجتْ للناس)، وفسَّرنا الضمير المتصل – اسم كان – بأننا هنا المخاطبون دون العالمين، فخرج الطفل يحمل الكفاءة المتوسطة ويحفظ القرآن الكريم حفظا، خرج يرى نفسه خير العالمين! ورشَّح له من قريته مفتيا يفتي لخير أمة كما تعلّم وفهم! واحتار طفلنا المسكين بين (خير أمة..) وبين (شعب الله المختار)، وأصبح التنافس على أشده، وجنَّدنا لأطفالنا المساجد والمخيمات الدعوية، ثم توالت أجيالهم حتى عرفتُ شخصياًّ أطباءَ ومهندسين وعلماء فيزياء وكيمياء..إلخ من المميزين لا همَّ لهم في مهنتهم سوى الدعوة النظرية إلى الله، وكأن عمل الطبيب أو الطيار أو المزارع أو غيرهم ليس لله! ورسَّخنا بمناهجنا التعليمية والاجتماعية والنُّظُمِيّة أن (الدعوة الشرعية التقليدية المحفوظاتيّة) فقط هي الحياة، معرِّفينها بأنها دعوة المسلم إلى الله وكأننا لم نعرفه تعالى منذ الخليقة ولم نعلم عن الإسلام شيئا منذ 1450 عاما سوى عن طريق أبنائنا هؤلاء! فازدحم الدعاة، ونافس أهل العلوم التطبيقية والفنية أهلَ العلوم الشرعية النظرية المتخصصين والزائدين عن حاجة الناس إلى حدّ الفائض والبطالة، واختلف القوم حول الجديد في أنماط الدعوة، وحاول كثير من رواد منهجنا العام التوسط والوسطية عندما أُوْجِبتْ وفرضت عليهم فرضا فتوسَّطوا، فكفَّرهم الأتباع وخطوا إلى الأمام معتبرين أسلافهم متواطئين ضدَّ المنهج، مخلصين لمنهجهم الذي أسَّسْنا نحن له، وتحوَّلَ معلموهم منا إلى طواغيت يجب عدم السماع لهم ولا منهم! لقدْ بنينا مناهجنا على أنها مناهج دعوية ندعو بها هنا سلالاتِ من حملوا هذا الدين إلى العالم! ونعدّهم الوحيدين الصالحين في هذا العالم لقيادته، وعندما طبقوا منهجنا الذي غرسناه فيهم خطَّأناهم وجرَّمناهم دون أن نكتشف خطأنا أو نسألَ هيكلنا التربوي والاجتماعي عن صحته وصلاحيته للحياة!
ثم جاء الحوار الوطني الذي أرادَ منه واضعه التغييرَ السلوكي، فتحول إلى منابر خطب وموائد يحضرها من له وجاهة أو شفع له شفيع لإلقاء خطبة على مائدة! تُرى: أنستطيعُ على المستوى الجمعي أن نطرح هذا السؤال الصحي لمحاولة تشخيص الحالة؟ أم إننا سنكتفي بمناصحات لفظية بيروقراطية تستغرق جهدا ومالا بينما الحياة السلوكية شيء آخر؟ هذا السؤال هو: من هم (الفئة الضالة)؟ وما تعريفهم؟ وكيف يخرجون من مؤسساتنا التعليمية والاجتماعية إذا كانت هذه المؤسسات سليمة من بذور غرس ضلالاتهم؟ ولمَ يستطع البعض الوقوف جهارا نهارا ضدّ رمز وطنيّ كالعلم أو النشيد الوطني وسط مؤسسة تعليمية دون أن يكون هناكم تشريع تقنيني صريح تُلزمُ به المؤسسات؟ وصدِّقوني وأنا أكتب هذا أنني أحدُ منْ عانوا من استخدام كلمة (وطن – وطنية) قبل 1416 هـ عندما وضعتْ مادة باسم (التربية الوطنية)، فقبلها كان استخدامنا كلمة (وطنية) يُجيَّرُ ضدَنا مرادفا لمصطلحاتٍ تُفسَّرُ على أنها إلحاديّة! هل نستطيع بشجاعة أمام النفوس أن نطرح سؤالا ونجيب عليه بصدق: من وراء هؤلاء في الخفاء ممنْ نطلقُ عليهم فئاتٍ ضالة؟ ولماذا ضلُّوا عناَّ، وما هي حقيقة ضلالاتهم؟ وبكل تجرد: هل من يُسَمَّون دعاة أو أعضاء المناصحة يعتبرون عنصرا فاعلا إيجابيا؟ أم إنهم سيعيدون على الشباب ما سبق لنا أن علمناهم في مناهجنا التي أخرجتهم سواء كانت هذه المناهج مدرسية أم جامعية أم مخيّماتية أم محاضراتية أم أسرية اجتماعية؟
لا أزالُ أذكرُ ضحك أحد رؤساء التحرير على مقالة كتبتها قبل سنين أطالبُ فيها بالقضاء المتخصص (ضحك ساخرا مني لعدم إمكانية نشرها) وأذكر قولي فيها بأن طالب الشريعة الحافظ للقرآن ولكثيرِ السنة لا يكفي ليحكم في قضايا بنكية ومرورية وعقارية وإدارية بمجرد حفظه ذاكم، بل يجب إعداده تخصصيا، وهذا ما بدأت جهات الاختصاص تسعى اليوم إلى تنفيذه..
وقبل انتهاء المساحة المخصصة يبقى السؤال العام:
ما مدى خطأ أولئكم الضالّين وحدهم؟ وما مدى اشتراك نظمنا العامة التعليمية والاجتماعية والدعوية التي تدعو أبناء منْ حملوا أصل الدعوة إلى الدين معهم في الخطأ؟ >
شاهد أيضاً
مجلس الشورى يعقد جلسته العادية الخامسة من أعمال السنة الثانية للدورة التاسعة
صحيفة عسير ــ واس عقد مجلس الشورى اليوم الاثنين، جلسته العادية الخامسة من أعمال السنة …
عسير صحيفة عسير الإلكترونية