أقف متسائلاً وراغباً في أن أصل لقناعة ثابتة تتمركز حول أن مفهوم «المناطقية» سيبدأ في الذهاب بالتدريج إلى مربعات مضيئة مرتقياً بالأفكار والأجساد وسامحاً لها أن تذهب إلى مساحات آمنة قافزة بالتنمية والجهود إلى الأعلى. أصدقكم القول بأن هذه واحدة من الأمنيات التي تسكنني، على رغم أني أقف شاهداً على شيء من المناطقية الحساسة هذه الأيام في مربع ضيق حولي، ويتضاعف ألمي وشعوري بالحزن حين تأتي هذه التلميحات غير المباشرة من عقول يفترض بها أن تدرك أن المكان الذي استوعبهم ذات قرار تعيين سابق يمكنه أن يستوعب غيرهم أو أفضل منهم، في ما لو أن صاحب القرار التفت لاستقطاب الثروات والقدرات وإشراكها في مركزية العمل والمهام المباشرة، لا الاكتفاء بمن يجلس في أقرب كرسي مجاور أو نقطة ملاصقة.
مصلحة العمل الحكومية بالتحديد لا بد أن تنظر للجغرافيا المحلية نظرة متساوية حين ترغب في مكافأة أو عقاب وتنظر بشمولية أكثر في ما لو أرادت صنع قرار إداري من الوزن الثقيل، وربما في هاتين الحالتين يعكس الواقع المشاهد أن توزيع الكراسي الإدارية الكبار في المركز لا يشمل انتقاء الكوادر التي تعمل في المركز وهي تنتمي للأطراف، أو لا يفكر في إحضارها من هناك بداعي المصلحة ذاتها لأداء أدوار كبرى في المركز.
أعلم أن هناك إزعاجاً على مستوى طلب الخدمات يرسله سكان الأطراف إلى المركز وأجهزته العملاقة ذات الحل والربط، لكنه إزعاج من أجل الالتفات والتوزيع العادل لاقتسام تنمية متصاعدة وأرقام مالية تقفز سريعاً، وفي أحرفهم حق مشروع لمعايشة منجز مشاهد وخدمة ملموسة تسمح لهم بالبقاء قريباً من مسقط الرأس ورائحة الأرض ومراتع الصبا.
لافت أن يستيقظ جهاز حكومي مركزي بمثابة «الأب» على خطأ بشري يحدث في جهاز حكومي «صغير» في الأطراف أوجد لتخفيف الضغوط على الجبهة الكبرى وإكمال الانجاز؛ لأن الطوبات الأولى تأتي من المركز، ويكون الاستيقاظ – وللغرابة – بعد مرور أكثر من عام، آخذاً – خطأ الطرف – بأنه كارثي، غير قابل للتسامح، وتفتح معه محاضر التحقيق، وأوراق الاستجواب والانتدابات والاستعدادات المكثفة وتوجه له فِرَق عمل ذات اسم وقرار. اللافت المصاحب أن هناك أخطاءً بشرية مصاحبة وقعت في أجهزة حكومية متدرجة في الصغر إنما تقترب من المركز أو تلامسه بالأجساد، وبقدر مضاعف ثلاث مرات، من دون أن تحضر ثلاثة أرباع الاستعدادات السابقة. وهنا اسمحوا لي أن أنصب علامة استفهام بحجم الجبال التي ينتمي لها الجهاز الصغير الأول، وأسكن مع علامة اطمئنان بحجم الصحراء تقف بجوار الأجهزة الصغيرة الأخرى، ربما – وكم أكره ربما – أنه لا يمثل الجبل في الجهاز الأب «أحد»، فكانت القسوة والشدة حاضرتين حين تم السؤال عن الخطأ والمخطئ وحضرت عصا العقاب. ولكن هذا الحضور يغيب أو يتقلص حين تذهب الأوراق والمحاضر ذاتها لجهة أخرى، وأود لحظتها أن أقول: إن رائحة المناطقية ليست ظاهرة، لكن الأسئلة المشتعلة تكون حديث الجميع وهنا تولد الجروح بعشوائية وصمت.
أعود للعنوان حتى لا نضيع في زحمة الألغام السابقة؛ لأدعو لأن تتوزع المراكز القيادية الحكومية في المركز بفرص متكافئة للقدرات والكفاءات المتوافرة على الخريطة الوطنية، وهذا ليس مطلباً شخصياً لكنه من أجل ضم رجالات الأجزاء والأطراف في العمل التنموي الحكومي بطريقة أنيقة واحترافية؛ لصناعة القرار والمساهمة في الشراكة التنموية وإقناع المواطن (أيا كان) بأن النظرة واحدة متساوية لا تسمح لأحد بأن تنتابه مشاعر غير متوازنة وتفسيرات تقترب وتبعد من المنطق.>