كل سعودي بداخله مفتٍ صغير

بوجهه الطفولي الوسيم البريء، وبين وداعة الطفولة وبواكير المراهقة، كان (يفتي) مستخدماً مفردة (حرام) ونحن نتداول قصة التباس بسيطة في سهرة رمضانية. وبالطبع فمعرفتي الطويلة به وبأسرته تخبرني تماماً أنه سليل عائلة اعتدال وتقوى وتسامح، ومثلما أعرف عنه فهو لا يحمل مطلقاً أي مواقف مسبقة للحكم على الأشياء بالحلال أو الحرام وما زال غضاً لا يطلب منه بأكثر من دراسة منهجه المدرسي، وهو مثل السواد الأعظم من أبنائنا عفوي لم يؤدلج بعد. هو ليس القصة. القصة منه أن كل سعودي يحمل بين أضلعه (مفتيا) صغيرا، وهنا الخطورة، ذاك أن هذا التوصيف يعني تسعة ملايين مفتٍ بين ثيابنا، بحسب التعداد الأخير للسكان، وكل هذا في نصف المجتمع الذكوري. وعلى أطرافنا ونحن نتبادل طرفة (المفتي الصغير) في ابننا آنف الذكر، ذات قريتنا التي عاشت من قبل ربما مئات السنين دون أن تضج بفتوى واحدة، وبالتأكيد دون أن يشعر أهلها من الراحلين بسؤال يستحق الرفع، وحتى لو كان لديها سؤال حائر من هنا أو هناك فإنها لن تجد الوسيلة لرفعه إلى من يجيب على الأمر عندما كانت حدود القرية بالنسبة إليها هي حدود العالم بأسره. كثافة الأسئلة هي ما استلزم كثافة المفتين رغم الحقائق التالية: الأولى أن عشرات الأشياء في ممارسات حياتنا اليومية لا تحتاج أن تتحول إلى أسئلة، بل لا يجب في الأصل أن نجعلها مركبة معقدة. آخر الأسئلة التي سمعتها للتو عن جواز لوحة سيارة تحمل حروف (ص. ل. ب) ولو أن المفتي على الهواء أفتى بحرمة هذه الحروف لأدخل السائق في متاهة إدارية مكلفة. الثانية، أن كثرة المفتين لا تنتهك عظمة الفتوى ومسؤوليتها فحسب، بل تجعل من الإفتاء والتصدي له ذائقة عامة تصل حد الابتذال رغم الحقيقة الثالثة أن آلاف الأسئلة اليومية من حياتنا مع الفتوى مطبوعة مكررة يختزلها سؤال واحد قديم نلف حوله ونلتف بتحوير اللغة. يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: “إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق”. ولكن من هو الذي يفهم؟

* الوطن>

شاهد أيضاً

أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري

صحيفة عسير – مها القحطاني : استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com