تسابق دول الربيع العربي في مرحلة انسلاخ وتبديل للجلد، بحثا عن الوضع الأنسب لمنهاج حكوماتها المتأملة.
وللأسف فإن ما يحدث من محاولات انسلاخ وبحث تتم بحماسة ورعونة نظرية تستمد عنفوانها وأمثلتها من ذكريات تاريخ الخلافة الإسلامية، وترفض واقع العصر الحاضر، وتنكر متطلبات المستقبل. محاولات قد لا تصل للحل الأمثل بيسر، وقد يؤدي التسرع فيها لوصول المواطن إلى منحنى أشد صعوبة عن ذي قبل، وقد يجر البلدان إلى ما لا تحمد عقباه، ويصل بها إلى حالة فوضى مستمرة تنهكها، وتزيد من معاناتها، وتبدد ثرواتها ومكتسباتها، وتصنع بينها وبين الدول القريبة والبعيدة الكثير من الشروخ والفواصل، التي قد لا تؤدي بالنهاية إلا للردى.
ولنُساعد دول الربيع على اختيار الأنموذج الأمثل، دعونا نستعرض شرائح الأنظمة الإسلامية الموجودة على الساحة، التي تسيرها الحكومات، أو الأحزاب أو الجماعات الإسلامية، ولنقارن، ونستوضح العيوب والمحاسن، لنعرف أيها الأمثل، ومن يقع في القاع، وما هو الأنموذج، الذي قد يحملها إلى مصاف الدول المتقدمة.
ودونما أدنى شك فإننا سنجد أن أنموذج أفغانستان، في قاع القاع، نظرا لطول فترة التشرذم والحروب، والنزاع، التي لم تورث البلاد إلا الجهل، والفقر، والقتل، وتجارة المخدرات، ونسف حقوق المرأة، وتدمير عقول الناشئة، بمردود عصيب لن يزول إلا بانسلاخات عديدة عنيفة.
ويأتي بعد ذلك النموذج الصومالي، الذي كان وما يزال يحافظ على موقعه في القاع مع قرينته أفغانستان، حيث أنه ورغم الموقع الاستراتيجي للصومال، وثراء التربة، وقدرتها على أن تكون سلة غذاء عالمية، إلا أنها وللأسف ظلت تقبع في فقر ومجاعات ومرض وجهل وموت، فطالت فترة المخاض، التي لا يظهر أنها ستنتهي، ولا أدل على الخيبة، من إنتاج ما عُرف بمحاكم الشوارع، والقرصنة. وفي هذا تقهقر شنيع للفكر البشري، وعودة لقوانين الغاب.
الكل هنالِك إما وحش يقتُل، وإما فريسة تلتهم، ولكل فئة معتقد هش تناحر به عين الشمس وتنفيها.
ونأتي على النموذج السوداني الركيك بالمشاحنات، والتسلط، والحروب الداخلية، والعنصرية، ما أدى في النهاية إلى تقسيم البلاد لقسمين متحاربين. وليست الحالة الداخلية لأي من القسمين مريحة آمنة، ولا غنية مكتفية، بل إن النوازع الشخصية، والشطحات الدينية لرؤساء الأحزاب هناك، تدار بهمجية لا قصد لها إلا ديمومة الكراسي، ولو على بقايا الأشلاء والرماد.
وأما نماذج دول الخليج العربي، ودولتي الأردن والمغرب، فلا أظن أنها مطروحة في الاختيار هنا، نظرا لكون تلك البلدان تعتمد على النظام الملكي المتوارث.
ولو عرجنا على دولة إيران كنموذج جمهوري، لوجدنا أنه نظام ذو أطماع سيطرة سياسية ومذهبية، ورغم ترسانته، ومفاعله، إلا أنه ظل أرعنا، يتعادى مع جيرانه، ومع النظم العالمية، وبعد حربه الضروس مع جارته العراق، هاهو يتأهب لحروب جديدة مع جيرانه، ومع النظام العالمي، بالإضافة إلى تهالكه الداخلي، لهيمنة الزعامات الدينية على السياسية، مما يُعد قمة التردي. وفي باكستان نجد الأنموذج، المتسلق، الذي سُحق بين حجري الرحى، ورغم تمكنه من تصنيع القنبلة الذرية، إلا أنه يظل محطة للهمجية، وحلقة في سلسلة الانقلابات المتكررة، وتدني قيمة الإنسان، ما جعل الشعب ينتثر في أصقاع الأرض بحثا عن لقمة العيش، وهروبا من جماعات إسلامية تدار من الخارج، بالترغيب والترهيب، وتعمل على الاطاحة بأي نظام.
وفي تركيا نجد الأنموذج الأقرب للاعتدال، فهي تعد من أفضل الدول الإسلامية من نواحي المكانة الدولية، والنهضة المتوقعة، ودخولها ضمن منظومة دول العالم المتقدم، في الديموقراطية، والصناعة، والتجارة، والسياحة، رغم تمسكها بالدين!.
وهذه معادلة صعبة لم يتمكن سواها من الدول الإسلامية تطبيقها.
وأما مملكة (إندونيسيا)، وجمهورية (ماليزيا)، فرغم كثرة تعداد المسلمين بها، إلا أنها تعد دولا متعددة الأديان، وتتميز بنظام سياسي دستوري منفتح على العالم.
ونعود لمواطني الدول الربيعية، فأي هذه النماذج يريدونه، وأيها يعتبر نقلة نوعية لبلدانهم؟.
فمن الجلي أن كثيرا من من دول الربيع لن تعرف ماذا تريد حتى ترتدي الجلد الجديد لسنوات عديدة، وقد تعود لتعاني وتحترق لنزعه عن جسدها بالنار والدم، وقد لا تهتدي للجلد المناسب إلا بعد أن تكون الدول المستقرة سياسيا وبرلمانيا ك(تركيا) قد تقدمت إلى مصاف الدول المتقدمة عالميا من حيث الأمن والرخاء والاستقرار، والحرية ومستوى معيشة الفرد. فهل سيظل الربيع المتوهم تائها بيننا يطويه الخريف، مرات ومرات، ولا يعرف طريقه لطرح الثمر؟.>
شاهد أيضاً
أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري
صحيفة عسير – مها القحطاني : استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن …