الأحداث من حولي ساخنة، لم تسمح لي أن أتجاوزها من دون مرور خاطف عليها، وهي التي تأتي في التوقيت الذي كنت أحلم أن نكون فيه أقرب إلى المصافحة ونحتضن القادم أياً كان، ولا نختلف معه لمجرد رأي، ففي المجمل نحن نلتقي على طاولة مكشوفة ونسمع من دون حواجز، ولنا أن نأخذ الموجب من الحديث ونضرب بما لا يجوز من حديثه عرض الحائط، لكن أن نوزع التهم والعبارات والتصنيفات على مواطن سعودي من أجل أنه غير مرحب به بالمزاج فذاك مرض أرجو أن نجد له علاجاً حاسماً، وهو لا يمثل جغرافيا معينة، بل أجزم بعموميته على الخريطة الوطنية مع اختلاف النسب والوجوه والعضلات والألفاظ.
يستضيف مجلس ألمع الثقافي اليوم عضو مجلس الشورى السابق الدكتور محمد آل زلفة للحديث عن تاريخ المكان وشيء من الذكريات المصاحبة، وغالباً لا يحضر اسم هذا الضيف في مكان إلا ويرتبط بالعلماني أو الداعي إلى التغريب، وزيدوا عليها ما شئتم من العبارات المعلبة الهجومية العنيفة التي تؤكد أن هناك عقولاً محلية تصطف والتشدد كتوأمين سياميين لا يمكن فصلهما إلا عبر حلول ليس هنا مكان متاح لذكرها.
الواقع المحلي يقول «الويل كل الويل» لكل من يُخْتَلَف معه ولو من أجل فكرة لم تولد بعد، فالأفكار غير المألوفة محفزة لصناعة قنابل جاهزة للانفجار، وصانعة لطوابير من المتحمسين لا لأفكارهم بل لمراجعهم التي تملي عليهم من يجب أن يحبوا، ومن هو الذي يستحق الكره والطرد والإبعاد من رحمة الله، كل هذه الألعاب تأتي تحت مسمى منفلت حتى تاريخه وهو الاحتساب.
تمضي سريعاً كل الحوارات الوطنية والنقاشات الجادة الراغبة في حوار هادئ متوازن، ونحن في حاجة ماسة للرأي العاقل والمباشرة الهادئة والحضور المتزن العقلاني لا الصياح والتستر خلف الأسماء المستعارة «والرمي من خلف الصف» وكيل الشتائم ونسف العقول لمجرد أن مواطناً قال فكرة لم تعجبنا أو لا نريد أن تدخل حيز التنفيذ.
متألم – ولست مستغرباً – من نمو العقليات المخاصمة حتى لنفسها، والغاضبة على طول الطريق، تتجاوز عن من يكون في فريقها وتركل كل من يلعب ضدها، تقصي وتنفي وتقسو لكنها لا تريد أن يمسها أحد، تريد أن تقنعنا بأنها على حق، لكن سلوكياتها وأخلاقياتها تثبت أن هناك انفصاماً رهيباً بالداخل ولا يعالج إلا بقذف أسماء في الخارج، من نختلف معه في أفكاره لا يوجب أن ننتقده على كونه درس على أيدي الغرب، أو أنه يحلق شاربه أو يقدم رأياً شجاعاً، من نختلف معه في الأفكار يجب احترامه ومحاورته، فهو يطرح فكرته علناً ولا يمررها من تحت الطاولات وفي الاستراحات والزوايا المظلمة، وأنا متوقع أن يأتي من يقول لي في هذه اللحظة «هل ترضى أن تقود أختك السيارة؟»، إن قلت لا فأنا «إسلامي»، وإن قلت لا فأنا «علماني» والويل لي.>