ينتابني من حين لآخر كوابيس تجثم على صدري . فتفزعني وتوقظني من نومي … أرى رجلاً يبدو عليه المرض .. السقم .. الفقر .. العدم .. الخوف .. الهلع .. الجهل .
وقفت مندهشاً .. اسأله مابك ؟ ماهذا الحال فيك ؟ جاوبني والحزن قد ملأ وجهه والدمع في عيناه ولازال هناك تفاؤلاً في تقاسيم وجهه المتجعد سرد علي قصته فقال :
عشت يتيماً عندما فقدت أبي لم أجد لي معيناً ولا راعياً بعد الله الا دعوة سيدنا إبراهيم الخليل .
عانيت الأمرين من احتقار اليتيم وسلب ماله واقصاءه وما الى ذلك .. بعدما كبرت اخذت كنزا قد تركه لي والدي بعد وفاته فقمت على حياتي مستعيناً بالله وحده لاشريك له واقمت صلاتي..بدأت بالتوكل على الله ففلحت الأرض وتزوجت وانجبت الاولاد والبنات حتى صرت أغنى رجل في العالم كله .
وفجاءة .. دعى بصوت عال اللهم يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك .. كان هذا الدعاء الذي اسمعه منه باستمرار .
قال اولادي .. بناتي .. لقد عقوني وهجروني وسلبوني . بعد ماذا ؟ بعدما سهرت وتعبت وعلمت ودرست ووظفت وصرفت ودعمت وفي الأخير !!! .
ابني طبيباً فلم يعالجني .
ابني معلماً فلم يعلمني ويدرسني .
ابني عسكرياً فلم يحميني ولم يأمن حدود مزرعتي التي ربيتهم فيها ولا حتى من كلاب المزارع المجاورة .
ابني تاجراً فلم يعطيني من حقوقي عليه الا التلاعب والغش .
ابني مبتعثاً في الخارج للدراسة فتغير نهجه وركب قارب الهلاك ونسي قارب النجاة .
ابني حملته أمانة فخان أمانته .
ابني لسانه فصيحاً وبليغاً فوجه لسانه وقلمه لقول الزور والبهتان وسب وشتم الدين واصحاب الهداية .
بنتي ربيتها بحجابها وحشمتها فاغراها شيطان الانس فاخرجها من عفتها للتبرج وركوب الحرية الساقطة .
يالله .. يالله
اهؤلاء من علقت فيهم آمالي .. وطموحاتي .. وتطلعاتي .. واني ﻷخاف ان تحل بهم كارثة من الله نظير ماقدمت ايديهم من ظلم وسرقة وفساد وآمرا بالمنكر ونهياً عن المعروف وغياب الأمانة بل موتها .
قلت ياعم ياعم .. الى هذه الدرجة من الفساد ؟ فقال أنظر الى المشاهد اليومية وستعلم انهم خانوا امانتهم .
﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون َ﴾
صمت قليلا ثم قال : ابشرك خيرا ياولدي .. فقلت بشرك الله بالخير .. فقال : اولادي وبناتي كثر وقد عوضني الله خيرا وابشرك انهم … صالحون ومصلحون ويخافون الله واهل أمانة والسنتهم صارمة على اهل الفساد والضلال ومدافعون عن الحق والفضيلة ومطالبون لاسترجاع ما تم سلبه ونهبه مني .
صمت قليلا .. تزفر .. ويبدو عليه الحسرة والندامة ثم قال :
لا اخفيك سراً ياولدي والله كم أشعر بتقصيري تجاههم ؟ وظلمي لهم وعدم مساواتهم باخوانهم العاقين في التعليم والصحة والسكن والرواتب و…و…و….. وهذه توبة نصوح وساجعل الكل عندي سواسية .
فقلت له تفاءل وابتسم ياعم .. فأنت بلد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين واساس العدل والمساواة .
(( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير ))
دمتم ودام وطني سالما >