** صاحبكم رجل مسكين من عامة مساكين هذا الزمان .. أهيم في هذا الأرض الفسيحة وأتجول سائرا في نواحيها متقلباً في أرجاءها كما كان يفعل صديقي ابن بطوطة قبل عدة قرون !!
** هذا هو حالي وحال بني جنسي (من الرجال) فأنا ولله الحمد – وبلا فخر رجل لايكثر النظر لوجهه في المرآة لعدة أسباب أشترك فيها أنا وجماعة من رجال جيلي وزماني ومن هذه الأسباب خوفنا من الوقوع في مستنقع الغرور الذي وقع فيه الكثير ممن كان قبلنا !
** وأنا بشكل شخصي أتحاشى النظر للمرآة وذلك خوفاً على نفسي الأمارة بالسوء من الفتنة وتحاشياً للتشبه ببعض المخلوقات والتي تقضي ثلاثة أرباع أعمارها أمام المرآة..ولأسباب أخرى تقتضي مصلحة الأمة العليا عدم الإفصاح عنها !
** لكن قبل أيام قَدر الله على ( العبد الفقير ) فمر مصادفة أمام مرآة وليته لم يمر لأنه رأى مالم يره طوال ربع قرن قضاها متقلباً في دنياه الزائلة .. لقد اشتعل الرأس شيباً بدد عتمة السواد الذي لطالما ستر جمجمة ذلك المسكين !
** نعم..لقد شاب الرأس وسدد طعنة في الظهر للشباب وأرداه صريعاً وهو يردد
أبيات ذلك العجوز الشايب (مثلي تماما) :
وأضاءتِ الشمسُ الظلامَ بمفرقي
شــيباً تلألأ في الصـباح المشـرقِ
لا تجـزعي يا نفسُ مِنْ هـذا الذي
كالفجـــرِ يبزغُ بعد ليــــلٍ مغــدقِ
** الشيب – ياسادة – عند العرب وقار وهيبة وأرجو أن يكون قد زادني وقاراً .. وهو أي الشيب عند بعض الناس موضع توجس وريبة وقد عدهُ نفر كثيرٌ ممن سبقنا نذيراً بقرب المنية ودنو الأجل .
** وهاهو الشيب يغطي رأسي فلا أجد مفراً من الرد على الشامتين المتعجبين من بياض شعر رأسي ببيت قرأته قديماً لرجل قاله مفتخرا برأسه الأشيب :
إن تكن قد شابت الذوائب مني *** فالليالي تزينها الاقمارُ>