الحديث عن الأندية الأدبية حديث ذو شجون؛ فكلّما تجاوزت الأندية الأدبيّة عقبة أوقعتها مشكلات المثقفين ورقابة المجتمع وسطوته وسلطته في حُفَر!
لا شيء يرضي المثقفين كما يتداول النّاس؛ فكلّ الحلول ممكنة إلاّ الحلول الجذريّة في أنديتنا الأدبيّة. ينسى المثقفون لدينا أنّ الأندية الأدبية ليست كلّ شيء، وأنّ صناعة الثقافة لا تحتاج إلى مؤسسة ترعاها، أو وزارة تشرف عليها، لكنّهم لا يكادون يختصمون على شيء حتّى يعلّقوا الجرس في رقبة هذه الوزارة!
لا توجد أسباب مقنعة – كما يعتقد الدكتور عبدالله الغذامي – في هذا التدافع باتجاه الوزارة في كلّ مشكلة تعلق بين المثقف وفعله الثقافي، مع أنني أعلم أنّ هناك سلطة والدكتور عبدالله يعلمها جيداً قد تتجاوز الوزارة ذاتها، لكنّني أختلف معه في أنّ الفعل شيء والتنظير شيء آخر!
المجتمع صاحب السلطة العليا في كلّ شيء لدينا، لا تجذبه الثقافة بشكل ظاهر، لكنّه مهووس في داخله بمراقبة الفعل الثقافي، ولديه الاستعدادات الكاملة والأسلحة الفتّاكة للهجوم على كلّ شيء يتعارض مع إيمان أهله، ولو كان إيماناً مشوّهاً، وقناعاتهم؛ إذ يبدو في ظاهره مسطّحاً فعليّاً لدور المثقّف وأثره؛ فهو بعيد عن المثقف وهمومه، بل لا يكاد يعترف “في المواقف” بقيمة الثقافة وأهميّة المثقف، لكنّه يتسلل إلى فعله بين الفينة والأخرى؛ كي يهزّ مكانته، ويسقط بأيّ شكل من الأشكال تأثيره!
مشكلات الثقافة لدينا كثيرة، لكنّ أبرزها تلك التي تتحدّث فيها الأرواح الطيّبة عن نزاهة الانتخابات ووصول الكفاءات المستحقّة والجيدة إلى أماكنها التي هي أهل لها!
في المقابل هناك حديث لبعض تلك الأرواح الطيّبة عن تزوير الانتخابات ووصول غير المستحقين إلى أماكن لم يثبت بعد أنّهم وصلوا إليها بانتخاب مزوَّر، لا بجدارة حضور، ولا بفعل أو مشاركة، مع أنّها انتخابات معلنة، ولها ضوابط وآليات لم يعارضها المثقف قبل أن يتورَّط – كما يعتقد – في الدخول فيها!
كلّ هذا الصراع يحدث في أنديتنا الأدبيّة، وفيه رأي وموقف وجدل طويل لا يكاد ينتهي!
في أنديتنا الأدبيّة تجربتان بائستان عبرتا إلى ثقافتنا المحليّة، إحداهما كانت تجربة تعيين أعضاء مجلس الإدارة الأدبي، وكانت تلك التعيينات مثيرة للجدل، ويبدو أنّ مطاردة بعض المولعين ـ في تلك الفترة ـ بالتعيين فاقت كلّ التوقّعات؛ فقد بالغ المنتقدون لبعض العشاق بمنافستهم طالبي الوظائف ومشتكي البطالة بأن حملوا ملفاتهم الخضراء وداروا بها في أروقة الوزارة بحثاً عن مقعد شاغر، أو وسيط طيّب، يُقدّر جهودهم، وتعب البحث عن وظيفة في مجلس أدبي ثقافي؛ فيرفق بحالهم، ويستلم الملفّ الأخضر، ويعتمد اسم صاحبه المثقف، وكأنّ الثقافة وظيفة!
بعض المنتقدين يحيلون المشكلة إلى تجنّي أسماء معروفة في المشهد الثقافي، كان لها دور كبير في المساهمة بعلاقاتها الشخصيّة عن طريق التأثير في بعض النافذين في الوزارة، إلى درجة أنّ هناك من بالغ؛ فأشار إلى أنّ الوزارة سلّمت الخيط والمخيط في تلك الفترة لأسماء تختار وتنتقي بناءً على العلاقات الشخصيّة الثقافيّة، وإن كان بعضها غائباً عن المشهد الثقافي!
النتيجة كانت مقبولة إلى حدّ ما، فلم تثر فيها الزوابع بشكل كبير، كما يحدث اليوم في جلّ أنديتنا الأدبيّة، وبرغم وصول بعض الكفاءات الثقافيّة إلى مجالس الأندية الأدبيّة إلاّ أنّ العلاقات الشخصيّة كانت واحدة من المداخل المهمّة التي أدخلت الأندية في دوامة بدأت بالاستقالات، ولم تنته بإثارة الأمر في الصحافة بشكل لافت؛ فقد بلغت الثقافة على مستوى الاستهلاك اليومي مبلغاً عالياً، وارتقت فيها نسبة الحكي إلى مصافّ الاهتمامات الكبرى التي تُشكّل حياة النّاس اليوميّة؛ فكانت المواد الثقافية المتعلّقة بخصام المثقفين حاضرة في كلّ تجمّع إنساني!
التجربة الثانية بدأت بعد إعلان الانتخابات ولائحتها، وبالرغم من قبول الأدباء بالانتخابات كمطلب، ورضاهم باللائحة مع وجود ثغرات كبيرة فيها يمكنها أن تقصي الأديب، وتفتح الباب للمجتمع في الاستحواذ الكامل على الثقافة وأهلها، إلاّ أنّهم قبلوا التجربة ورفضوا بعض مآلاتها؛ فخلصت إلى مفارقات لا أوّل لها ولا آخر؛ فكان منتقدو الوزارة يفتتحون انتقاداتهم بالاعتراض على اللائحة التي يرون في نقصها قصوراً، وفي اتساعها ضياعاً لحقّ الأديب، ويبررون ذلك بأنّ الأديب لا مكان له إلاّ الأندية، ولا مستقرّ له إلاّ فيها. لكنّ الرابحين كانوا يرون أنّ الأندية أندية ثقافة، وعلى المجالس الأدبيّة والجمعيات العموميّة أن تستوعب كلّ مثقف مريد، وكلّ معتنٍ فاعل، وكلّ راغب مقبل ولو كان إقباله من باب الفزعة أو النصرة!
اليوم تعود الأندية الأدبيّة إلى حياة النّاس بمشكلات لا أوّل لها ولا آخر؛ فتهمة التزوير تنتقل من الجمعيّات والمجالس الأدبيّة والتكتلات البشريّة والتحزّبات إلى الوزارة ذاتها؛ فهناك مثقفون يرون أنّ تدخل الوزارة لحلّ أيّ مجلس أدبي – كما يطالب بذلك بعض أعضاء الجمعيات العموميّة – يُعَدّ اعترافاً فعليّاً بالتزوير، وفي هذه الحالة على الوزارة أن تتحمّل الخطأ، وأن تعترف بأنّ التزوير حدث برعايتها الكريمة!
فهل تفعل وزارة الثقافة والإعلام ذلك وتدخل الأندية الأدبيّة في تجربة ثالثة لا ملامح لها إلاّ أنّها ستكون عرجاء؟!>