جرش الأثرية


تاريخ قيام مدينة جرش :

شهدت الجزيرة العربية خلال الفترة من القرن التاسع قبل الميلاد إلى القرن الثاني قبل الميلاد شيئا من الاستقرار لمقاومة تأثير زحف الحضارات القديمة المحاذية للجزيرة العربية من ناحية الشمال سواء الحضارة الفارسية أو الآشورية أو الرومانية ماعدا بعض المستوطنات القليلة التي واصلت ازدهارها على طول الخليج خلال فترات حكم الآشوريين والبابليين والأخمينين ، وأخيرا البارثيين حتى فترة الأسكندر العظيم الذي كان حلمه غزو الجزيرة العربية ، فشهد شرق شرق الجزيرة مرة ثانية تزايدا كبيرا في عمليات الاستيطان خصوصا أثناء فترة خلفاء الاسكندر المعروفة بالفترة السلوقية ، ومن المدن المزدهرة على الساحل في ذلك الوقت ( الجرهاء ) وكذلك بعض المدن الداخلية مثل مدينة ( ثاج ) التي تقع إلى الغرب بمسافة 100كم للداخل ومنها إلى الجنوب الغربي مدينتي نجران والفاو وظل النفوذ السلوقي حتى جاثما على شرق الجزيرة حتى القرن الثالث الميلادي حيث أعقبه النفوذ الساساني والذي أستمر ما يقارب القرنين . ولعل مملكة كندة الشهيرة المعاصرة في ذلك الوقت قد جعلت من مدينة الفاو التجارية مركزا سياسيا وحضاريا لها في وسط الجزيرة العربية والتي امتدت إلى قبل الإسلام . ولعل نفوذ مملكة كندة قد شمل مدينتي نجران وجرش الوقعتين على سفوح جبال عسير الخصبة والتي تقع على مفصل التجارة العربية ما بين أراضي بالقيس وفلسطين . (مصري ، 1397هـ ، ص: 15-16 )

أخبار جرش زمن الرسول صلى الله عليه وسلم .

قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبد الله الأزدي فحسن إسلامه في وفد من الأزد ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن ، فخرج صرد يسير بأمر رسول صلى الله عليه وسلم حتى نزل بجرش وهي يومئذ مدينة مغلقة وبها قبائل من اليمن وقد ضوت إليهم خثعم ، فدخلوا معهم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم فحاصروهم فيها قريباً من شهر وامتنعوا فيها منه ، ثم إنه رجع عنهم قافلاً حتى إذا كان إلى جبل لهم يقال له شكر ظن أهل جرش أنه إنما ولى عنهم منهزماً ، فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه عطف عليهم فقتلهم قتلاً شديداً ، وكان أهل جرش بعثوا رجلين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يرتادان وينظران ، فبينا هما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” بأي بلاد الله شكر؟ ” ، فقام الجرشيان فقالا: يا رسول الله، ببلادنا جبل يقال له كشر ، وكذلك تسميه أهل جرش، فقال لهما: ” ليس بكشر ولكنه شكر ” ، قالا: فما شأنه يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: ” إن بدن الله لتنحر عنده الآن ” ، فجلس الرجلان إلى أبي بكر أو إلى عثمان رضي الله عنهما فقال لهما: ويحكما إن رسول صلى الله عليه وسلم الآن لينعي لكما قومكما، فقوما إليه فسلاه أن يدعو الله أن يرفع عن قومكما ، فقاما إليه فسألاه ذلك، فقال: ” اللهم ارفع عنهم ” ، فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى قومهما فوجداهم أصيبوا يوم أصابهم صرد في اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال وفي الساعة التي ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر، فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا. ( الحميري ، 1980م ، ص: 159 ) .

كما ذكر الحموي أيضا أن جرش فتحت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في سنة عشر للهجرة صلحاً على الفيء وأن يتقاسمها العشر ونصف العشر .

آثار جرش : وأورد التقرير المبدئي الثاني عن مسح المنطقة الجنوبية الغربية وذلك ضمن برنامج المسح الأثري الشامل لأراضي المملكة العربية السعودية ما يلي : في منطقة خميس مشيط الواقعة شمال مدينة نجران يمثل موقع جرش مركزا محليا لحضارة جنوب الجزيرة العربية ويحتوي على نوعين مميزين من المنشآت :

الأول يتمثل في مباني من النوع الضخم ، يحتوي على أساسات حجرية ومشيدة على طريقة الأطراف البارزة باستخدام أسلوب التثبيت المثلث الزوايا والمشابه لما هو معمول به في مدين الأخدود ، وقد عثر على خمسة مباني من هذا النوع على الرغم أن بعضها قد تعرض حديثا لشيء من التغيير .

أما الثاني فيتميز باستخدام الأجر المحروق والطين والأحجار الصغيرة ، إلا أن ما لحق بالموقع من دمار وما صاحبه من عوامل تعرية قد أزالت الطين دون أن تمس الأجر أو الأحجار ، مما جعل الموقع يبدو كركام ضخم من الدبش والحجارة منها ست ركامات على الأقل واضحة للعيان . ثم ذكر المصدر نفسه أنه اختير أحد هذه الكامات لحفر مجس اختباري مساحة 2×1 م وتوصل الفريق بواسطته إلا أن هذه المنطقة تحتوي على أنقاض ومخلفات ركامية يصل عمقها إلى 2.5 م على الأقل وتم التعرف من خلاله على ثمان طبقات ، وباستخدام طريقة ( كربون 14) في تحليل مكونات المجس وجدت نتائج تؤيد الرأي القائل بأن الموقع شهد فترة استيطانية أولى ، حيث كانت الطبقة السفلية تعود إلى القرن الأول بعد الميلاد ، وأن الطبقة الخامسة ترجع لعام 280 ميلادية ، بينما تعود الطبقات العلوية إلى فترات لاحقة ، وترجع الطبقة الرابعة لعام 510 ميلادية ، والطبقة الثالثة للعصر الإسلامي ، والطبقة الثانية والأولى لعام 1030ميلادية . ووجد في المكان قع من الفخار السميك الخشن ذو اللون الأحمر ، ووجد به أيضا كميات كبيرة من مصنوعات الحجر الصابوني العدية والمزخرفة ، إلى جانب قطع من الزجاج وخبث الحديد . ( زارينس وآخرون ، 1401هـ ص : 25)

موقع جرش وأهميته :

تقع بقايا مدينة جرش على بعد 15 كيلا جنوبي مدينة خميس مشيط ، وجرش – بضم الجيم وفتح الراء ,آخره شين معجمة – إحدى المدن القديمة المهمة على طريق التجارة القديم في فترة ما قبل الإسلام ، وحققت شهرة واسعة خلال الفترة الإسلامية ، وذكرها معظم الرحالة والجغرافيين تحت اسم مخلاف جرش ، ومما اشتهرت به دباغة الجلود وحياكة النسيج وتصديرهما ، إلى جانب أهميتها الزراعية ، ومدينة جرش بوضعها الحالي عبارة من أطلال تعكس تأثيرات حضارة جنوب الجزيرة العربية . ( المعارف ، 1423هـ ، ص : 58 )

كما ذكر ( الحموي ، ج2 ، ص 126 ) أن جرش من مخاليف اليمن من جهة مكة وهي في الإقليم الأول طولها خمس وستون درجة وعرضها سبع عشرة درجة – وفق قياسات الهمداني وهي لا تتفق مع خطوط الطول ودوائر العرض المعروفة بشكل علمي في الوقت الراهن – كما ذكر الحموي في مكان آخر أن جُرَش مدينة عظيمة باليمن وولاية واسعة .

ومما يمكن الإشارة له بأهمية ما ذكره معبر ( 1408 ، ص 15 ) نقلا عن الشيخ هاشم النعمي – تاريخ عسير – أن إقليم عسير في أدواره السابقة كان يعرف بمخلاف جرش ، وذلك يوضح أهميتها كمركز حضاري وإقتصادي ، وزراعي ، وصناعي ذو تأثير بالغ .

وبالتحديد تقع جرش الأثرية داخل نطاق مدينة أحد رفيدة التي تقع تقريبا على خط طول 42.5 شرقا ودائرة عرض 18.25 شمالا ، وتنعم وما جاورها بنهضة عمرانية وحضارية رائدة ، ويمر من خلالها طريق رئسي هام يربط شمال المملكة بجنوبها بل وإلى دولة اليمن المجاورة . ولازالت تلك الناحية كما عرف عنها في السابق ، فيحيط بجرش مساحات زراعية خصبة تعتمد في سقياها على المياه السطحية ومياه الأمطار الموسمية – صيفا – والتي لا تعدم منها تلك الجهات في ذلك الفصل – بجود الله وكرمه – ورغم التوسع العمراني الكبير إلا أنه لا زال يعتد بما تنتجه تلك الأماكن من خضروات وحبوب وبعض أنواع الفواكه ، أما وضع المدينة الأثرية فكما ذكر في السابق عن آثار جرش ، إلا أنه بالشخوص عليها وجد أن موقعها بالتحديد على يمين أول الطريق المؤدي من أحد رفيد إلى لزمة ، وهي محاطة بسور من الشبك الحديث ، وبمساحة ما يقارب 500م مربع ، وتحت إشراف وزارة الإعلام والثقافة حاليا ، إلا أنه لا يوجد لها من الدعاية ما يكفي ، كما لا يوجد بها مرشدين سياحيين متخصصين ولذا كان زوارها قليل جدا ، ومما تظهر الصور وجود بعض الآثار الهامة ، إلا أنني لم أجد ذلك الآن مما يدعو إلا الإشارة بأهمية البحث عنه ، حيث يعتقد بعض من سألتهم أنه أخذ لمكان خارج المدينة الأثرية لتزيين مكان عام ، ولا يعرفون عنه شيئا في الوقت الراهن .

سكانها :

جرش هي كورة نجد العليا وهي من ديار عنز ويسكنها ويترأس فيها العواسج من أشراف حمير وهو من ولد يريم ذي مقار القيل ولهم سؤدد وعود وجابة اليمانية في أرض نجد إليهم ( الهمداني ص : 255) ،

وذكر معبر ( 1408هـ ، ص : 15 ) أن العواسج يعرفون اليوم بالعواشز وهم سكان وادي بن هشبل وفق ما ذكره بعض المؤرخون .

كما ذكر الحموي ( ج 2، ص :126 ) أن أبو منذر هشام قال: جرش أرض سكنها بنو منبه بن أسلم فغلبت على اسمهم وهو جرش واسمه منبه بن أسلم بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن علي بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن أيمن بن الهَمَيسع بن حمير بن سبأ . وفي ذلك أيضا أقوال كثيرة .

أعلام من جرش وأكرم النساء أصهارا :

برز من جرش العديد من الأعلام ومنهم : شن الجرشي ، شارك في قتل مسيلمة ، وسعيد بن القشب ، ولاه الرسول على جرش ، والخيزران – زوج المهدي – وأم ولده ، يزيد بن الأسود الجرشي ، زاهد وعابد من التابعين ، وحميد بن الأحكم الجرشي وغيرهم . ( معبر ، ص 47 ) .

وقد أورد أبن الأثير (في أسد الغابة ، ج 3 / ص 409) : لُبَابَة أخت أَسْمَاء وسَلْمَى وسلامة بنات عميس الخثعميات لامهنّ، وأخوهنّ لامهنّ: محمية بن جَزَء الزبيدي، أمهنّ كلّهن هِنْد بِنْت عَوْف الكنانية، وقيل: الحميرية. فمن قال الحميرية قال: هِنْد بِنْت عَوْف بن الحَارِث بن حماطة بن جرش من حمْير. وهي التي قيل فيها: إنها أكرم الناس أصهاراً، لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زوج ميمونة ، والعَبَّاس زوج لُبَابَة الكبرى ، وجعفر بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب أزواج أَسْمَاء بِنْت عميس. وحمزة بن عَبْد المُطَّلِب زوج سَلْمَى بِنْت عميس. وحمزة بن عَبْد المُطَّلِب زوج سَلْمَى بِنْت عميس. وخلف عليها بعده شداد بن الهاد. والوليد بن المغيرة زوج لُبَابَة الصغرى، وهي أم خالد، وكان المغيرة من سادات قريش. فأولاد العَبَّاس وأولاد جعفر، و مُحَمَّد بن أبي بكر، ويحيى بن علي، وخالد بن الوليد: أولاد خالة.

روت عن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم أحاديث، روى عنها ابناها عَبْد الله وتمام ، وأنس بن مالك، وعَبْد الله بن الحَارِث بن نوفل، وعُمير مولاها.

سطح جرش وما اجاورها :

جرش في قاع ولها أشراف غربية بعيدة منها تنحدر مياهها في مسيل يمرّ في شرقيها وبين حمومة ناصية تسمى الأكمة السوداء حمومة وحمّة وكولة ثم يلتقي بهذا المسيل أودية ديار عنز حتى تصبّ في بيشة بعطان، فجرش رأس وادي بيشة . ( الهمداني ص : 255) .

وحاليا يطلق على ذلك الوادي الواقع شرق جرش وادي بيشة نسبة إلى المصب ، بل للتفريق بينه وبين وادي بيشه الشهير يطلق عليه محليا وادي بيشة بن سالم نسبة لأحدى العوائل ذات السيادة في تلك الناحية وهم أسرة آل صمان أو آل الشيخ / حسين بن سالم .

المراجع :

1-مصري ، عبدالله حسن ، مقدمة عن آثار الاستيطان البشري بالمملكة العربية السعودية ، مجلة أطلال ، العدد الأول ، عام 1397هـ ص 15-16 .

2- زارينس ، يوريس و مراد ، عبالجواد و اليعيش خالد ، برنامج المسح الأثري بالمملكة العربية السعودية مجلة أطلال ، التقرير المبدئي الثاني عن المنطقة الجنوبية ، مجلة أطلال ، العدد الخامس ، لعام 1401هـ ص 25.

3- وزارة المعارف ، وكالة الآثار والمتاحف ، سلسلة آثار المملكة العربية السعودية ، آثار منطقة عسير ،الرياض ، دار الهلال ، 1423هـ ، ط 1 .

4- معبر ، محمد أحمد ، مدينة جرش من المراكز الحضارية القديمة ، خميس مشيط ، دار جرش للنشر والتوزيع ، 1408هـ ، ط 1 .

5- الحِميري ، محمد بن عبد المنعم ، الروض المعطار في خبر الأقطار ، بيروت ، مطابع دار السراج ، 1980م ، ط 2 .

6- الهمداني ، الحسن بن أحمد بن يعقوب ( تحقيق : محمد علي الأكوع ) ، صفة جزيرة العرب ، الرياض ، دار اليمامة ، 1397هـ ، ط1 .

7- الحموي ، ياقوت ، معجم البلدان ، بيروت ، دار صادر 1977م ، ط1 .

8- ابن الأثير ، أسد الغابة ، المكتبة الشاملة ، الترقيم خاص بالنسخة اللألكترونية .

>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com