تقاسيم (يقول… فقلت!)

علي القاسمي عسيررجل سبعيني يراجع إدارة حكومية منذ زمن طويل، كسب من هذه المراجعة مواطنين جدداً يتناولون التاريخ والجغرافيا، ويقلبون الذاكرة، ويتفحصون الوجوه جيداً فربما لا يرونها مرة أخرى، على الجانب الآخر خسر الكثير، وعوده لأبنائه، وأيام العمر المنقضية بلا فائدة، واستحقاقاته الضائعة بلا معرفة، يشكو لجاره معاناته فيرسله إلى صديق، وينهي مراجعته في أقل من يوم قال له شكراً، قلت: لا يستحق هذا واجبه الباكر.

 – شاب مُتْعَبْ أسقطه المرض أرضاً، وقست عليه الظروف، تتناوبه أعين الرحمة، وتتزايد علاجاته كل ما تقدم يوماً، ومعها المواعيد الطويلة، يختزن مساحة ألم هائلة في جسده. جاره أصيب بالمرض ذاته، إنما قطع مرحلة كبيرة من العلاج لا لطاقة زائدة، أو استعداد نفسي هائل، لكن لأنه يعرف من يهيئ له كرسي العلاج والدواء في شكل متواصل، وقال لجاره الذي أسقطه المرض: معرفتي بهذا الرجل تعدل الدنيا وما فيها قلت: صدقت.

 – جامعي يذهب بملف أخضر إلى مؤسسة حكومية بحثاً عن وظيفة ولو كانت على بند الأجور، يحصل عليها أخيراً بعد جهد، واتصالات، وتوسلات، ودعوات. التقى صباح اليوم الأول لبحثه عن الوظيفة شاباً أقل منه عمراً، وكذلك شهادة، رقّ قلبه له، وحمد الله أن واصل دراسته ولم يتوقف عند مستوى الشاب، صبيحة اليوم الأول للوظيفة فوجئ به أمامه، وتبادلا أطراف حديث انتهى بأن هذا الشاب حصل على مرتبة أعلى، التقيته بعد زمن، فقال بقهر: مستحيل ما يحدث، لا أصدق، قلت: صدق واصبر.

 – المشروع قريب من المنزل ضمن أعمال سفلتة حي كامل، وهو في الركن القصي من الشارع، رفض مسؤول المشروع أن يصل إليه لأنه خارج خريطة العمل، حي وسفلتة ومشروع وخريطة، لم يفهم ما القصة! يسأل من حوله فيقولون ادهن السير يسير قلت له: «الشكوى، الشكوى» المشروع لن يطير ومسؤولونا فيهم خير كثير.

 – يجلس في مجلسه، ينتظر طارقاً للباب ليستضيفه أياً كان، ليبادله أي حديث، ويناقشه في أي شيء، وينتقده في أي شيء، أسرته تخرج من دون أن تهتم به كثيراً، إذ أمّن لهم سائقاً منذ أيامه الوظيفية البارزة، إنهم يخشون غضبه اللا محدود، وينتظرون فرحه المحدود، قالوا: كيف نتعامل معه، قلت: ارحموه ماذا يفعل إنه «متـــ…قاعد»!

 – يتحدث عن السياحة الداخلية، ويتباهى بأنه أول من يدعمها، مع أنه أول من يحجز المقاعد الأولى باتجاه الدول الأوروبية بداية كل فصل صيفي هو وأفراد أسرته، يقولون لي كيف نربط بين حديثه عن السياحة الداخلية، وأسفاره المتكررة لقضاء إجازاته وسياحته الخارجية، قلت: الرابط الشقق المفروشة المرتفعة الثمن المملوكة له بمدينتي السياحية.

 – يذهب بطفله الذي تعرّض إلى كسر في يده للمشفى الحكومي الأول بمدينته، قرر الطبيب المعالج أن يخضع الطفل إلى جراحة لتثبيت يده، بحث عن غرفة لتنويم ابنه فلم يجد، استنجد وتوسّل وشحذ وطالب ودار وجرى ولا حياة لمن ينادي. فجأة استوقف شاباً سعودياً بزيه الطبي وعرض عليه مشكلته، طلب منه أن يمهله 10 دقائق فقط ويعود، تركه ثم رجع للأب المنتظر بورقة تنويم ابنه، شكره ودعا له واكتشف لاحقاً أنه استشاري سعودي، قال: كم نحن نبتهج ونفخر به وبمثله قلت: لست وحدك.. هؤلاء هم الثروة.

>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com