البداية.. ما لا بدّ منه
يحيى محمد العلكمي
يعتور المشهد الثقافي والأدبي في منطقة عسير عدد من التكهنات والأحكام المطلقة المؤسسة على انطباعات مسبقة قد لا يكون تهيأ لأصحابها فرصة الدرس والقراءة الممنهجة؛ كيما تقارب النتاج المطبوع عبر عقود من السنوات، وتعمل على قراءته وتحليل خطابه، ومن ثمّ تبني وجهات نظر أو إعداد دراسات مقنعة وقادرة على اختصار خطوات قبل إصدار أي حكم، وفي كثير من الأحيان لا يكون مطلقو الأحكام –إيجابا أم سلبا- من المنغمسين في المشهد، فهم لا يعدون كونهم من جلساء المثقفين وأصدقائهم أو المقربين لهم، فينضوون تحت قاعدة “التأثّر والتأثير” التي لا تكفي وحدها –في رأيي- لأن تكون مسوغا للتصدي للنتاج الإبداعي بوصفه “شغلا” نوعيا له أدواته ومنهجياته على صعيد التلقي والقرائية.
وفي هذه الزاوية في (صحيفة عسير) الإلكترونية التي أشرف عبرها بقراءة النتاج الثقافي والإبداعي لمثقفي ومبدعي المنطقة أسعى جاهدا إلى الاشتغال على المنجز الإبداعي والثقافي بما يتفق والمنهجية العلمية التي لن تخلو من تأثير التذوق إذ هو عتبة أولى في مسألة التلقي ليس لنا أن ننفكّ عنها مهما رُمنا الموضوعية وإعمال الأدوات بصورة مجردة.
والواقع أن ما أنتجته الأقلام المبدعة في المنطقة جدير كل الجدارة بالقراءة والدرس وفي كثير من الأحيان الاحتفاء، فمنها ما تجاوز الجهوية وانطلق سريعا إلى آفاق وطنية وإقليمية، وحقق جوائز في مسابقات رائدة ورفيعة، ومنها أيضا –وهذا لن يضير من يسعى إلى التطور والامتياز- من لا يزال مرتهنا إلى مستويات دنيا وغير مؤهلة للنشر، وهناك من ليست له علاقة بالحالة الإبداعية لا من قريب ولا بعيد،
وإنما هو نتاج توافرت له ظروف معينة فظهر إلى المشهد ظهور المختبئ وسط الحشد يرجو ذكرا ولمعة ضوء مما تبقى.
ترى هل وقعت فيما أحذر منه حول إصدار الأحكام؟ الواقع أن هذه الزاوية –كما أرجو- ستعمل على النفاذ إلى أغوار النصوص، وسبر أعماقها مستثمرة المناهج النقدية المعروفة، وهو حمل كبير، ومسؤولية مرهقة آخذها على عاتقي، لا لشيء، وإنما لما أراه من واجب تجاه مبدعي منطقتي العزيزة –من الجنسين- وبما أتيح لي من مسوغات الدرس النقدي تخصصا وقراءة وعملا مكث بعضه في أدراج مكتبي زمنا طويلا، وأظن أنه آن له أن يخرج بوصفه منجزا قابلا –كغيره- للمناقشة والفرز.
وعندي أن الكتابة عن عمل إبداعي لا أعرف كاتبه أيسر من الكتابة عن عمل قد يكون كاتبه صديقا أو زميلا أو ذي حظوة وحضور في النفس، كما عبر عن ذلك الكاتب الأردني زياد الجيوسي بقوله” وللحقيقة أنني حين أتعامل مع نص لا أعرف أي شيء عن كاتبه أجد المسألة أكثر سهولة” لأن الشخصي قد يتداخل مع الفني والمنهجي، فتهتز الصورة، فإما أن يسقط النقد في هوى الشخصي، أو أن يتألّب الشخصي ضد الفن وينأى بجانبه، ولهذا فإن “مسبار” ستحاول أن تكون سبرا للنص والنص وحده، وإن كان من ضرورة لتداخل المؤلف فمن باب فني وزاوية نقدية عملية لا يمكن تجاوزها.
بقي أن أختم بما أراه لا يسقط من قائمة الأهمية في المشهد الثقافي في عسير ذلكم هو المسرح، المسرح بوصفه فعلا جمعيا، يتأسس على نشاط جمعي، وفكر جمعي، وأداء جمعي –يشمل ذلك مسرح الممثل الواحد- سيكون للمسرح في عسير
جانبا من الاهتمام والقراءة، كيف لا، وهو أبو الفنون؟ والمعادل المظلوم في ميزان التعاطي الثقافي وعلى صعيد الدعم المجتمعي والمالي؟.
هذا هو المسلك، وتلكم هي أبعاد الكتابة، منها ما يظهر بقصد، ومنها ما ينزوي متضمنا غير أنه سيتبدى لحظة الدرس والتوغل في النصوص والمعطيات.>