يحيى محمد العلكمي
على الصعيد الشخصي بدأت الاطلاع على نتاج أدباء منطقتي العزيزة بصورة مباشرة عام 1413ه عقب العودة من مهمة الدراسة الجامعية والعمل الصحافي في جدة، ولا أفتأ أتذكر بمزيد من الامتنان ذلكم الاستقبال الكريم الذي حظيت به من قبل رئيس نادي أبها الأدبي آنئذٍ الأستاذ محمد بن عبد الله بن حميّد، حين دخلت منشأة النادي طالبا مقابلته، وتعريفه بنفسي وباهتماماتي، فما كان منه إلا أن غمرني بحفاوته وتشجيعه، ثم أهدى إليّ عددا من مطبوعات النادي الثقافية والإبداعية، إضافة إلى أعداد مختارة من دوريته الرائدة (بيادر)، ليتأسس التقاطع المباشر مع مبدعي ومثقفي المنطقة، وواقع الحال أني كنت قبلها قرأت المجموعة الشعرية الصادرة عام 1407ه للشاعر محمد بن عبد الرحمن الحفظي بعنوان (أولى تجاوزات.. لا) إبان فورة الحداثة، وحميّا الصراع بين الحداثيين والمحافظيين، وجدت المجموعة في مكتبة قديمة في شارع قابل، صدمتني اللغة، وأبهرتني السياقات، ووقفت حائرا أمام (انفجارية) توليد الصورة عند شاعرنا الجميل، لكنني كنت حينها قليل الخبرة والتجربة فلم تعدُ قراءتي أن تكون فضولا، ثم تعرفا على ما ينجزه شعراء الحداثة الذين كنا وبشكل يومي نشهد صراعاتهم على صفحات الملحقات الأدبية وفي قاعات الدراسة، وفي المحاضرات التي كان يقيمها قسم اللغة العربية بجامعة الملك عبد العزيز أواسط الثمانينات الميلادية.
شاعرنا الجميل -خلقا وإبداعا- يشعرك حين تتصدى لقراءته أنك تتعاطى مع أنموذج من الشعراء الأرستقراطيين، أولئك الذين يصنعون طقوسهم الخاصة، يجلسون في مقاهي الحمراء البيروتية، أو يسيرون على ضفاف النيل في الليالي المقمرة، ولهذا فمحمد الحفظي كاريزما شعرية متفردة، يكتب خارج بيئته، يستلهم آفاقا إنسانية متعددة
الأبعاد، يناور خلجات نفسية بمقدرة عجيبة، ترتمي عنواناته في وعي المتلقي مثل عبق عطري آخاذ لا يلبث أن يضعك –راغبا- في دوائر التساؤل، إذ يولي شأنا واهتماما كبيرا لعتبات نصوصه، وهذه احترافية مطلوبة ومتوخاة ولكنها مرهقة في الوقت ذاته (لك انتظر البحر) و (تباهي) و(اشتعال الرمق) و(غبار الجسد الباقي) و (لحظة يا حلم)…
وحتى اليوم ومع ابتعاده عن المشهد المؤسسي للثقافة إلا أنّ حضوره الإبداعي يبقى ذا نكهة نوعية تليق به، وأكاد أقول إن قراءه أيضا ينتمون لذات الحالة الكاريزمية التي تميز شاعرنا فأدخل إليها متذوقيه. لقد استطاع الحفظي أن يناوش سماوات الإبداع بمعان جديدة وتوليدات لغوية لافتة عكف عليها دارسون كثر واستمتعت بها نخب المتلقين.>