صحيفة عسير : فايع عسيري
11 – أنّهم كلّما خرج منهم قرنٌ قُطِع: وهذا من فضل الله تعالى على هذه الأمّة أنّه يقطع دابرهم كلّما اشتدّ عودهم، وزاد نفوذهم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ينشأُ نشئٌ يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلّما خرج قرنٌ قُطِع حتى يخرج في عَرَاضِهِم” ” الدّجّال” “” وهذا يدل على استمرار هذه الفرقة الضالّة المبتدعة إلى قُبَيْل قيام الساعة، حيث ورد أنّ الدّجال يخرج في بقيّتهم!! كفَّ الله شرهم، وخضب الله شوكتهم .
12 – استمرارهم حتى يخرج الدجال في بقيتهم: ومن صفاتهم أنّهم منذ أن خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلن ينقرضوا كما انقرضت بعضُ الفرق المبتدعة، بل سيبقى كل جيل يحمل هذا الفكر ويتوارثه عن الجيل الّذي قبله، يُذيقون المسلمين مُراً، ويُسيمونهم شراً، وصدق الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه، الذي لا ينطق عن الهوى، فالساحة الإسلامية لم تخل يوماً من الأيام منهم، فهاهم اليوم في أغلب البلاد العربية والإسلامية بأسماء مختلفة، وأفعال مؤتلفة، من بوكو حرام، مروراً بالتكفير والهجرة والنصرة، وليس انتهاءً بداعش، فلا تزال الجعبة مليئةٌ، والمؤامراتُ دنيئةٌ، والأيام حبالَى يلدن كلّ عجيبة .
13 – كلاب النار: وهذه من أقبح الصفات التي نُبِزُوا بها إن لم تكن أقبحها، وهي لَعَمْرِ الله مسبَّةُ الدهر، وقاصمةُ الظّهر، فلو أنّ لهم عقول لعادوا لرشدهم، وتركوا غيّهم، فما نبزهم بها عالِمٌ من علماء المسلمين، ولا حاقدٌ عليهم لأجل الدِّينِ، بل رسول الله صلى الله عليه وسلم الّذي علّمه رب العالمين، فقد قال صلى الله عليه وسلم” الخوارج كلاب النار” “” .
قال المناوي” ” رحمه الله تعالى: لأنّهم دأبوا ونصبوا في العبادة، وفي قلوبهم زيغٌ، فمرقوا من الدّين بإغواء شياطينهم حتّى كفَّرُوا الموحّدين بذنبٍ واحدٍ، وتأوّلوا التنزيل على غير وجهه، فخُذِلُوا بعدما أُيِّدوا حتى صاروا كلاب النّار، فالمؤمن يستر ويرحم ويرجو المغفرة والرحمة، والمفتون الخارجيّ يهتك ويعيّر ويقنط، وهذه أخلاق الكلاب وأفعالُهُم، فلمّا كَلَبُوا على عباد الله، ونظروا لهم بعين العداوة ودخلوا النار صاروا في هيئة أعمالهم كلاباً كما كانوا على أهل السنّة كلاباً بالمعنى المذكور” ” .
14 – همّازين لماّزين: وهذه الصفات والعياذ بالله من صفات أهل النّفاق، فهم يكثرون الهمز واللّمز، والتندّر بالآخرين إذا رأوا منهم عملاً صالحاً لم يقدروا على إنكاره، أو تأويله على غير مراده، ومما يدل على اتصافهم بهذه الصفة الذّميمة أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان بالجعرانة يقسّم غنائم ثقيف التّبر” ” والغنم على أصحابه، فقال ذو الخويصرة التميمي” ” وهو أوّل الخوارج: اعدل يا محمد فإنّك لم تعدل!! فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم” ويلك!! ومن يعدل بعدي إذا لم أعدل؟!!” فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله حتى أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم” إنّ هذا في أصحاب أو أُصيحاب له يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة” “” وأنزل الله عزّ وجل فيهم قولَه” وَمِنْهُممَّنيَلْمِزُكَفِيالصَّدَقَاتِفَإِنْأُعْطُواْمِنْهَارَضُواْوَإِنلَّمْيُعْطَوْاْمِنهَاإِذَاهُمْيَسْخَطُونَ” “”” ” .
15 – في قلوبهم زيغٌ: وهؤلاء ينطبق عليهم قول الحق تبارك وتعالى” فَأَمَّاالَّذِينَفيقُلُوبِهِمْزَيْغٌفَيَتَّبِعُونَمَاتَشَابَهَمِنْهُابْتِغَاءالْفِتْنَةِوَابْتِغَاءتَأْوِيلِهِ” “” وقد ورد في الأثر عنه صلى الله عليه وسلم بسند فيه ضعف أنّ الّذين في قلوبهم زيغٌ هم الخوارج، وأنّ الّذين تُسْوَدُّ وجوههم هم الخوارج” ” .
16 – يردُّون السنة إذا لم يجدوا ما يؤيدها صراحة في القرآن الكريم: فهم لا يقبلون بالأحاديث الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم إلاّ أذا ورد في القرآن الكريم ما يؤيدها صراحة، فلا يرون الرجم، لا يرون للسرقة نصاباً، ونحو ذلك، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: الخوارج لا يتمسّكون من السنّة إلاّ بما فُسر مجملها دون ما خالف ظاهر القرآن عندهم، فلا يرجمون الزّاني، ولا يرون للسرقة نصاباً، وحينئذٍ فقد يقولون ليس في القرآن قتل المرتدّ فقد يكون المرتد عندهم نوعين” ” .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: وهؤلاء خرجوا على عهد أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه فقتل الّذين قاتلوه جميعهم مع كثرة صومهم وصلاتهم وقراءتهم، فأُخرِجوا من السنة والجماعة، وهم قومٌ لهم عناءٌ وورعٌ وزهدٌ لكن بغير علم، فاقتضى ذلك عندهم أنّ العطاء لا يكون إلاّ لذوي الحاجات، وأن إعطاء السادة المُطاعين الأغنياء لا يصلح لغير الله بزعمهم، وهذا من جهلهم، فإنّما العطاء إنّما هو بحسب مصلحة دين الله، فكلّما كان لله أطوع، ولدين الله أنفع، كان العطاء فيه أولى” ” .
17– سرعة التّقلّب واختلاف الرّأي وتغيّره: فهم يحملون في صدورهم عواطف بلا علم ولا فقه، لذلك يكثر فيهم النّزاع الخلاف فيما بينهم، ويصل للقتال والتكفير والافتراق، وهذا دليل على أنّ ما جاؤوا به ليس من عند الله تعالى، قال تعالى” وَلَوْكَانَمِنْعِندِغَيْرِاللّهِلَوَجَدُواْفِيهِاخْتِلاَفاًكَثِيراً” “” .
18– التّعجّل في إطلاق الأحكام: واتّخاذ المواقف من المخالفين دون تروٍ، ولا تثبّت .
19– الحكم على القلوب: ومن ذلك الحكم باللوازم والظّنون، فلا يعذرون المخالف أنّه خالف لأي سببٍ من الأسباب، فقد يكون السبب في المخالفةِ عاذراً، وقد لا يكون، فالجاهل، والمتأوّل، والمكره، والناسي، غير العالم المعاند، وصدق الله القائل” وَمَنلَّمْيَجْعَلِاللَّهُلَهُنُوراًفَمَالَهُمِننُّورٍ” “” .
20 – القوّة والخشونة والجلدَ والجفاء والغلظة في الأحكام والتّعامل، وفي القتال والجدال: فلا تجد أشد منهم قوّةً وبأساً وشدّةً، غير أنّ هذه القوة والصلابة بكلِّ أسفٍ هي ضدّ الإسلام والمسلمين، ولم ينل الكفار الحقيقيين منها إلاّ النزر اليسير، فهم كما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم” يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان” “” وإذا ما جادلهم المجادل أفحموه لو كان من أعلم الأمّة، لأنّهم يجادلون من منطلق الانتصار لأهوائهم، لا الانتصار للحق أياً كان، ومع من كان والعياذ بالله .
وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مناهجهم وأصولهم وسماتهم في مواضع عديدة من مصنّفاته” ” .
هذا حال الخوارج في القديم، وهم الخوارج الأوّلين الّذين كان همّهم نصرة دين لله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلاّ أنّهم قد استحوذ عليهم الشيطان، فأقنعهم أنّهم هم الّذين على الحق دون سواهم، وأنّهم هم المنصورون يوم أن يخذل الناسُ، الناّجون يوم أنْ يهلك الناسُ، وأنّهم الفرقة الناجية حتّى” صَدَّقَعَلَيْهِمْإِبْلِيسُظَنَّهُفَاتَّبَعُوهُإِلَّافَرِيقاًمِّنَالْمُؤْمِنِينَ” “” فظن إبليس اللعين أنّهم سيصدّقونه فيما يوسوس لهم، وقد صدق ظنّه فيهم حيث اتبّعوه وانقادوا له .
غير أنّ المتابع لأحوال الخوارج في هذا العصر يصاب بالحيرة، فلا يعلم أهم صادقون في أقوالهم، مخطئون معذورون في أفعالهم، أرادوا الحق فضلّوا طريقه، وصدّق عليهم إبليس ظنّه؟ أم هم عملاء يتزيّون بزيِّ الدين والدين منهم براء، وأنّهم هم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم” يخرج آخر الزّمان رجال يختلون الدنيا بالدين ويلبسون للناس جلود الضّأن من اللين ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذّئاب يقول الله عزّ وجل: أبيَ يغترّون؟ أم عليَّ يجترئون؟ فبيَ حلفت لأبعثنّ على أولئك فتنة تدع الحليم منهم حيرانا” ” ميزاننا في التّصديقِ والتّكذيبِ، والأخذِ والرّدِّ هو الكتابُ والسنّةُ، فما وافقهما أخذنا به، وما خالفهما رددناه .
أ.د عبدالعزيز بن عمر قنصل الغامدي>