الجونة !

لا يخفى على الأريب أن برنامج الواتس اب صار – وعلى رأي أحد المشايخ – لسان من لا لسان له ، وقلم من لا قلم له ؛ فصار الجميع إلا من ندر مجرد وسيط تمرير لا غير ؛ فبمجرد ما تصله رسالة ، أو صورة قام بتمريرها إلى من عنده في القائمة من أفراد ، ومجموعات دون التثبت ، والتأكد .
أكتب هذا بعد أن امتلأ هاتفي بصورة الإهداء الذي قدمته الإدارة العامة للتعليم بعسير لوكيل الوزارة الدكتور نياف الجابري ، والمتمثل في تلك [ الجونة ] ذات القيمة التراثية الكبيرة والتي طالما بقيت رمزًا للجمال ، والعطاء ، والأصالة
، والبهاء .
ومع الأسف فإن كل الرسائل التي وصلتني ذكرت بأن الصورة هي لتكريم الإدارة لأحد المشرفين التربويين بمناسبة تقاعده !
وليكن ..
فما العيب في الموضوع ؟
وما الخطأ المرتكب ؟
ولك أن تتخيل تلك التعليقات الساخرة التي اكتظت بها المجموعات بعد رؤية الصورة المدرجة تحت الخبر المزعوم !
انهالت التعليقات من قبل الكثيرين دون أن يسألوا ذوي العلاقة ، أو ينتقوا كلماتهم التي اختاروها في تعليقاتهم التي بلغت حد السخرية ، والتهجم ، والتندر مما يكشف عن حال من الاحتقان لدى الكثيرين نحو أهل التربية والتعليم ، وهذه مشكلة كبيرة خطرة ؛ لأنه ومن المؤسف أن تكون النظرة إلى أهل التعليم بهذه الدونية من الاحترام ، والتقدير مع أنني أكاد أجزم بأن من ينتسب حقا لهذا الميدان العظيم ، ويَشْرُف بحمل رسالة النور لا يفكر إطلاقًا في التكريم ، ولا ينتظره ؛ لأنه يدرك تمامًا فخره بأنه من أهل ذلك الميدان الذي بذل فيه كل ما منَّ الله به عليه من نور العلم ، وفضل تعليم الناس ، وانتظار الأجر من المولى سبحانه الذي جعل لأهل العلم مكانتهم السامية الرفيعة الجلية بنصوص الكتاب ، والسنة !
وإذا ما سألت أحدهم عن سخريته بالآخرين ذكر أن ذلك من باب المزاح ، والتسلية ، وأن علينا أن لا نأخذ الأمور بجد ، وحساسية مفرطة !
كما أن التقليل من قيمة التراث هو تقليل من التاريخ ؛ فكل أمة بلا ماض هي أمة بلا حاضر ، وإن كانت هذه نظرتنا للتراث ونحن الكبار ! فماذا ستكون نظرة من هم أصغر منا بعد مرور الكثير من الزمن ؟!
ترددت كثيرًا في الرد على من سخروا من الحدث ، وهم الذين لم يعرفوا من الموضوع شيئًا ، بل تكلموا مع من تكلم ، ورددوا مع من ردد ، ولم أجد ولا واحدًا يقول كلمة حق في هذا الموقف !
وبالنسبة لي ، وأنا أكتب بقلمي ، وبقلم الغيورين ممن يعرفون دورهم حقا في ميدان التربية والتعليم ؛ فإنني لم أهتم بكل ما قيل ، وكُتب في الواتس اب حول هذا الموضوع ، وإن كنت كتبت هذه السطور فإنني ما كتبتها إلا من أجل التنبيه على خطأ يقع فيه الكثيرون في التعامل مع ما يقال ، ويكتب من خلال الواتس اب ، ويتمثل في تقبلهم للمعلومة ، ونقلها دون التثبت بالسؤال ، أو البحث ، الأمر الذي قد يطال – أيضًا – أمورًا دينية مهمة !
ثم ما بال أقوام يعرفون أن السخرية بالآخرين من الأمور المنهي عنها يتلون ذلك في كتاب الله عز وجل ، ويقرأونه في الحديث الشريف ثم تراهم يسخرون ، ويلمزون ، ويهمزون !
أرى أننا بحاجة إلى أن نكون أكثر تعقلًا في التعامل مع ما يرد إلى هواتفنا ، ورقيا في التعامل مع بعضنا البعض ، فليس من المقبول أن نجتمع في مجموعة هاتفية واحدة ، ويكون همنا تصيد الأخبار المزعومة المسيئة ؛ لنبادر إلى إرسالها دون مراقبة لله ، ولا مراعاة لمشاعر الآخرين مما يوحي بأن كثيرًا من الاحترام صار مفقودًا ؛ ولنجد أننا بتنا مجبرين على ترك تلك المجموعات ، ومغادرتها ، ومسح محادثاتها دون أسف عليها !

ماجد الوبيران >

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

15 تعليقات

  1. عبدالعزيز القحطاني

    في تراث منطقه عسير ماهو افضل من الجونه يقدم كهديه.
    كان من المفترض من المتحدث الاعلامي لادارة التعليم توضيح الامر حتى لو بتغريده.
    مجتمعنا يخوض في الشائعات وتتناقلها وسايل التواصل الاجتماعي ولكن تتوقف الشائعه عند توضيحه من مصدره.

  2. السلام عليكم
    معك فيما قلت بخصوص أن الواتس اب اصبح وسيلة للتمرير والسبق الصحفي بدون تثبت من الرسالة وخصوصاً الدينية كالأحاديث والآيات.
    ولكن فيما يخص التكريم من إدارة التعليم لأحد منسوبيها بهذه الجونة وتصويرها على الملأ !!!!!!
    الله أعلم أنه لما بدأ مسيرته التعليمية لم يكن يخطر بباله مثلك أن يشكره أو يثني عليه أحد وهو يعلم الناس أسوة بمعلم البشرية محمد عليه الصلاة والسلام الذي امتدحه الله وهو المتفضل عليه في أكثر من آية في كتابه. لماذا لم يجعلوا تكريمه حافزاً لغيره من المعلمين بطريقة لا إفراط ولا تفريط…..!

  3. ابومحمد الأسمري

    مما لا شك فيه أن بعض وسائل الإعلام الجديد شكلت انفتاحاً معلوماتياً لا يمكن تجاهله، وفورية في تناقل الأخبار وصناعة الحدث، لكنها على الوجه الآخر باتت وكالات أنباء لنشر الشائعات التي يتبادلها مستخدموها إمّا قصداً أو سذاجة، بغير علم ولا تحر لمصداقية الأخبار المتناقلة .
    أشكرك على طرحك المميز أبا محمد ،،،،،،،،،

  4. عبدالله الالمعي

    للاسف اصبح المجتمع يبحث عن السخريه قبل التأكد من اي شي .دايماً تتميز في طرحك ????

  5. بداية شكر الله لك غيرتك على مهنة التعليم. وألبسك ثياب فخرها. وأسرجك خير مطاياها. أنت بصدق خير من يمثل التعليم.

    ثانيا لا يخفاك إشكالية تلقى الخطاب. ولعل كثيرا من بلايانا هي طريقة تلقينا للخطاب من المتكلم. وغالبا نتلقاه بألستنا وليس بعقولنا وهنا مكمن الخطورة.
    فاللسان أداة تنفيذ لمدركات العقل إذا كان للعقل عليه حكم ووصاية. ولكن ما نراه هي فلتات ألسن ليس للعقول فيها أمر أو نهي.

    سأدلل على ذلك من كتاب الله ففي حادثة الأفك قال تعالى ( إذ تلقونه بألسنتكم) ولم يقل بعقولكم. لأنهم لو تلقو الخطاب بعقولهم لم استساغوا الخوض في حادثة الأفك.

    ومن هنا فالكثير من تلقينا للخطاب هو تلقي بإداة لا تميز الصواب من الخطأ وإنما تنفذ عمليات عضلية بعيدة عن التفكير والتحليل.

    كل الشكر لك أبا محمد. وستبقى الجونة رمز الخير والعطاء الذي كانت وجهتنا إذا ما عصفت بنا سكرات الجوع.

  6. فهدالقحطاني

    كلام صحيح وهذا الحاصل بين اغلب الناس ولويعلمون انه محاسب على نقله وكلامه لما فعل ونقل

  7. والله انك تدافع عن اداره جلوي ولا أحد درى عنك

  8. صدقت أبامحمد ..
    وماآفة الأخبار إلا رواتها

  9. مقال جميل من رجل قدوة في التعليم بارك الله فيك وزادك خيرا

  10. عبدالله آل نملان

    كلام في محله وتشكر على التطرق إليه
    فالواتس آب سلاح ذو حدين
    نسأل الله أن يصلح حال الأمة

  11. الشهرانية أبها

    اتفق معك .بأن السخرية هي طريقة من طرق التعبير، يستعمل فيها الشخص ألفاظا تقلب المعني إلى عكس مايقصده المتكلم حقيقة. من أجل النقد والضحك أو التجريح الهازئ.

  12. ياسر بن مشهور

    جزيت خيرا أبا محمد على هذه المقالة

  13. المهندس/علي فرحان ابو ثامر

    نعم اوافقك الراي وبشدة ابا محمد فقد اصبح هذا المنبر للهدم والتصيد والنقل بدون تثبت منبر يمتطي صهوته الكبير والصغير العاقل وغير العاقل الى ان اصبح يعج بالغث والسمين واصبحنا نتناقل ما يردنا فيه دون درايه وكأنه عين العقل والصواب والصحيح يجب ان نقف وقفة صدق وتثبت من كل ما يصلنا لكي لا نكون في مصيدة الجونه ونحن لا ندري….

  14. محمد آل مفلح

    جزاك الله خير أبا محمد
    مقال جميل
    وجدير بنا التثبت قبل الحكم على الآخرين

  15. عبدالله ال جراد

    شكرا لك ياأبى محمد
    مبدع كعادتك

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com