«تمييع»… الخيانة الوطنية!

علي-القاسمي عسيرمبتلون حد الخيبة بمن يناور ويراوغ في الملاعب المكشوفة، ويحاول أن يزرع فيها الإبر والأشواك لمصلحة الأجندات التي نعلم مدى حقدها وبغضها على المكان وأهله، اشتغل المرضى بحكم الإعدام الابتدائي الصادر على المواطن الشيعي نمر النمر، وأراد المغرضون أن يستخدموه لضرب النسيج المحلي والعزف على الأوتار الهشة، وقراءته من الجانب الطائفي البحت لتحويل كامل الملف لخانة أخرى لا محل لها من الإعراب، ولا أجد بديلاً عن مفردة الخيانة الوطنية، ولا أتخيل أن ثمة عقاباً صارماً يمكن أن نصفع به وجه ورقبة أحدهم إلا إذا كان ملتحفاً ومنغمساً من الوريد إلى الوريد في الخيانة الوطنية، وممثلاً بارزاً لها.
ظالم لعقله ووطنه من يقرأ في نمر النمر مجرد معارض وقتي بلا عمود فقري داعم من الخلف، وظالم لعقله ووطنه أيضاً من يقرأ فيه ناشطاً حقوقياً – سياسياً نبيلاً، وهو الذي يقصي ويحرض ويجيش ويمول ويدعم ويقود الأفعال الإرهابية على بساط صريح واضح من الخيانة الوطنية الطاحنة الطاعنة، ومنحاز مع عاطفته البحتة من يجده رجلاً دينياً شيعياً وهو يأتي بهذا الحضور المتشنج المهتز المأزوم والرافد لجل دواعي الاحتقان الطائفي.
معيب جداً أن نستبدل ونحضر ما تيسر وتوافر من المفردات الفضفاضة المطاطية كي نميّع الخيانة ونضع لها عباءة أخرى لننفذ من فضيحتها الكبرى بمعية هذه العباءة فيبرز البكاؤون من الداخل والخارج ليتحدثوا عن الظلم، والعبث بالإنسانية والجور في الحكم، وأن ما على الطاولة من التهم المتراكمة على «الخائن في رداء ناشط سياسي» ليس كافياً ومقنعاً حتى يكون العقاب والجزاء في حده الأقصى، والمواطنون السعوديون سنة كانوا أم شيعة متساوون في الحكم الشرعي، وعقلاء قومي من الطائفتين مؤيدون لعقوبة قصوى ما إذا كان الفعل خيانة وطنية معلنة، ودعماً مباشراً لموجة الإرهاب، والخائن الوطني بعيداً عن طائفته وإن كانت أدواته مختلفة، لكنها تحمل النتائج الدموية المتشابهة.
الإعلام الطائفي المرتبط عقلياً وقلبياً بإيران يجد في الحكم الصادر على نمر النمر فرصة مواتية وسانحة للتحمس وصياغة المشهد كما يحلو له، ممتلكاً الأسلوب الرخيص المكشوف في الهرب من حقيقة أن هذه الحماسة عائدة لكون إيران ترى المتهم واحداً من أهم مخازنها في الوسط السعودي، من السهل في الإعلام الطائفي التائه أن يرى في «الإرهابي» نموذجاً مثالياً للتعبير عن الرأي، ومن السهل كذلك أن يقرأ في الخيانة مواطنة شريفة طالما كانت تصب في مصلحته ولمشاريعه التجسسية المعروفة، إيران تغضب إذا ما مس أحد مخططاتها وفريق عملها وما عدا ذاك فلا علاقة لها به، وهي لا ترى بمنظارها المتلون سوى الطائفية كخريطة طريق، ولعل خطأنا كبلد أننا لم نتفق على مفهوم صارم غير قابل للتمييع لفضيحة الخيانة الوطنية، ونصوغ من قبله تعريفاً رسمياً للولاء والمواطنة ننزع من خلاله الأجساد التي تعيش معنا ومن خيراتنا، لكن عقلها ونبضها المستتر مشغول في خدمة عملاء آخرين ومن أجل عمائم نعرف أنها ترسم لنا في المساء ما لا تصافحنا به في الصباح.

>

شاهد أيضاً

الكتاب بين الورقي والتكنولوجيا

بقلم / أحلام الشهراني سيدي سيدتي في ظل هذا التطور التقني والانفتاح الثقافي الذي نعيشه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com