الدكتور صالح الحمادي
أشعر بالغيض والحنق عندما أجد شخص يجرب السياحة الداخلية بفكر محدود، وقدرات ثقافية محدودة، ومع هذا يجلد الذات والمجتمع السعودي بسياط نقده اللاذعة وكأنه جاب منتجعات العالم.
سألت أحد مصطافي مدينة أبها فقال حضرت لأبها للمرة الثانية لكن ” ما هنا أش” لا أعرف تفسير العبارة بنفس الفكر الضيق الذي يراه، ولم أسأله لماذا أتيت لأبها ما دام ” ما هنا أش” ؟ ولم أجلد مشاعره مراعاة لإنسانيته بسؤال لماذا لا تذهب لأرض الله الفسيحة التي تجد فيها ما تريده؟
” ما هنا أش” عبارة جوفاء تطرق مسامع أهالي أبها والطائف والباحة وتجعل مناطق الاصطياف لدينا تحت مطرقة أصحاب الفكر الثقافي الضيق ، بعضهم غير متصالح مع أسرته ذاتها، وبعضهم غير متصالح مع نفسه وبالتالي يتنفس من خلال عبارته الحادة ” ما هنا أش”.
أيضا ترادف عبارة ” ما هنا أش” من بعض القادمين إلى أبها عبارة ” الغلاء” وهذا غير حقيقي فالأسعار متدرجة من مائتا ريال لليوم الواحد إلى ألفي ريال، بل إن بعض أصحاب المراكز السكنية من فئة الخمسة نجوم يعانون من ضعف الإقبال السياحي، وصعوبة تغطية التكلفة التشغيلية ، ويعانون من ثقافة الأسر القادمة مع ” ما هنا أش” الذين يرددون هذه العبارة بفجاجة، وهم يشوهون الشقق ويبعثرون الخدمات المتاحة ويتركون خسائر على صاحب المركز السكني أكثر من المبلغ الذي دفعوه.
كعكة السياحة الخارجية تجاوزت الستين مليار ريال سنويا ويدفعونها لبلاد واق الواق عن طيب نفس ، ويصرفون عشرة أضعاف ما يصرفونه على سياحتهم الداخلية ويندق خشوم بعضهم في الأسعار والتعامل ويمشون الأمور على مضض ، أم إذا اتجهوا للداخل ومارسوا سياحة العنجهة والسير بالعرض في شارع مدن الاصطياف لدينا فخذ ما تشاء من الكبر والغرور والصلف ، واستمع للأسطوانة المشروخة التي توغر الصدور وتصدم الذائقة الوطنية.
اعجبني أسر سعودية مرموقة ومعروفة وتنقلت في منتجعات العالم مثل أسرة آل الزامل وأقاربهم حيث يقضون صيفهم سنويا في أبها ويجدون الراحة الأسرية والمناخ الطبيعي الجاذب للسياحة الداخلية بكل مقوماتها، ويثنون على كل شيء جميل بما فيها الإنسان العسيري الودود، أما أصحاب عبارة ” ما هنا أش” فليتهم “رقدوا” وليتهم يتركون جمل سياحة أبها النقية بما حمل، ويذهبون إلى هناك أزين لهم، فعوائد حضورهم لمدن الاصطياف لا تعادل وجع سياط نقدهم.>