رسالة وفاء !

كلما مر الزمن و تقادمت الأيام تعملق جفاء الناس لبعضهم و كبر تعلقهم بالماديات و التقنية و قلت المشاعر و كسرت الخواطر و أصبح الوفاء غريبا و التواصل نادرا حتى بين أقرب الناس لبعضهم و لأولئك الذين رعوك و أحبوك و اهتموا بك طوال عمرهم و ضحوا من أجلك .
ثم هانت ذا تطارد برامج التواصل و الشاشات و الرحلات و الاستراحات و تنسى كل شيئ و لولا المصالح ربما ما سلمت و لا سألت !
أما أنا فلست بوحيد قومي و لا نادر العصر لكني أتحين الفرص دوما كي أقول لهولاء من أهلي و أصدقائي و أقاربي و أحبابي أني أحبهم و ربما كانت رسالة واحدة تغني عن كثير من الكلام و موقف يسد عن كتاب من المشاعر و الخواطر .
و أجدني اليوم و قد أوصلتها صباحاً لباب مدرستها كي تودع عملها و زميلاتها بعد أن خدمت خمسة و عشرين عاما تعلم و تربي مقيد بشكر لها لا يتوقف و تقدير لا يمكن وصفه و قد بذلت لي و لأبنائها كل ما كسبت من وظيفتها طوال تلك السنين و حتى ما استبقته للمستقبل من وديعة وهبتها لنا كي نستكمل مشروعا بدأناه سوية .
قد تكون واحدة تلك التي أعبر لها عن المحبة و الوفاء لكني متأكد أن هناك الكثير منهن في بيوتنا و على امتداد الوطن ممن أعطين و بذلن تربية و تعليما و إنفاقا و مشاركة و معاونة لأهلها و لزوجها و تأتي في آخر يوم بعد أن خدمت عشرات السنين لا تملك من هذه الدنيا شيئا لأنها أعطت كل ما عندها و ضحت بكل مالديها و ستخرج من مدرستها أو من مقر عملها بشهادة شكر و تقدير و ذكريات جميلة لكنها ستستيقظ غدا و تجد أنها بلا وظيفة و لا زميلات و لا عدة تستعين بها على المستقبل سوى هذا الراتب التقاعدي الذي سيذهب نصفه أو أكثر في أقساط تحملتها من أجل زوجها و أهلها !
لكل شيئ نهاية إلا الوفاء و المحبة فيجب أن يستمران و لمثل تلك النبيلة التي أغدقت على كاتب هذه الأسطر طوال خمسة و عشرين عاما من مالها و رعايتها يجب أن يعلن الوفاء و التكريم و المحبة و بئس برجل لا يقدر المعروف و لا يحسب حسابا للعشرة !
و إنا و إن كان الكثير منا لا يملك مالا ليعبر بشيئ منه عن هذا الشكر و التقدير فليكن لسان الواحد أكرم منه و ليجعل قلبه يتحدث و مواقفه تعلن وفاءه و صدق حفظه للمعروف .
شكرا صديقة العمر و رفيقة الدرب أم زياد و تقاعدا مباركا ستتفرغين بعده للأجمل من حياتك بإذن الله .
و شكرا بحجم السماء لكل زوجة و أم وهبت نفسها و مالها لأسرتها و وهبت جهدها لوظيفتها ثم غادرت لا تملك شيئا إلا السمو و النبل و الكرم و التاريخ المشرف الذي قد لا يصنعه كثير من الرجال !

بقلم / أ.ابراهيم عواض الشمراني >

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com