يتساءل نائب الرئيس العام للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وحماية النزاهة الدكتور عبدالله العبدالقادر: «لماذا لم نرَ حتى الآن متهماً واحداً زج به إلى السجن في قضية فاجعة السيول في جدة، على رغم أن الكارثة مضى عليها ستة أعوام؟، ثم يجيب بأن السبب في ذلك يُعزى «لتأخر البت في الأحكام من القضاء»، وفي سؤاله الملحق بإجابة خاطفة ذكاء بالغ وطرح يقرأه المواطن بوصفه شفافية منتظرة من المسؤول الثاني في هيئتنا التي عليها أن تفصح عن سر وجودها على الخط الرقابي بما يشبه حكم مباراة لا يملك في جعبته سوى بطاقة صفراء يمنحها بخجل، وساعة يضبط عبرها الوقت المقدر مسبقاً، وصافرة يتحمس لإطلاقها بسرعة بعد انتهاء الوقت الأصلي لهذه المباراة.
السؤال النابض حالياً: ما رأي الشارع المحلي في هيئة مكافحة الفساد؟ سأجيب بالنيابة وعلى طريقة نائب الهيئة لأقول بأن رأي الشارع متناقص يوماً بعد يوم في هيئتنا الموقرة، في ظل أن قضايا عالقة بالقلوب والأذهان لا تزال بلا نهايات والمؤشرات تقود لاستمرارها بلا نهايات لأمد بعيد وغير معلوم، هيئتنا الموقرة تعاني ولكنها تلتزم الصمت، تحاول مصافحة من حولها من الهيئات ومؤسسات الدولة لتبني استراتيجية علاقات عامة وخطوط دفاع لهجوم منتظر، ويبدو أن الاستراتيجية لم تؤت أكلها وأن الازدواجية تلعب في الملعب الكبير للرقابة على الفساد.
أعود لسؤال نائب رئيس الهيئة حول كارثة جدة، وأجيب من زاوية شخصية «متشائلة» لن نسمع عن متهمين بعينهم، ستظل الشكوك لصيقة بهم، وتتواصل أوراق الاستدعاءات والوعود بمحاكمات تثبت أن النوايا متفقة تماماً على أن وراء كل قضية وطنية صادمة وموجعة متهمين معلومي الهوية وعقوبات مباشرة قابلة للنفاذ لا المماطلة والتسويف وإعادة النظر، سيكون ثمة طرق متعددة وبطيئة وقادرة على صرف النظر عن «جدة» بشكل ذكي جداً وإحضارها في وقت نُشغل فيه بحادثة أخرى، وفي ظل مللنا من إعادة تدوير فاجعة جدة وتعليبها وكأنه لا شيء كان.
مأزق الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أنها حين تعلمت المشي وانطلقت نحو مهمة إبصار الطريق إذ بها في مواجهة عنيفة مع كارثة وطنية كشفت أن هناك خللاً رهيباً وسكوتاً عنه أسميناه «فساداً»، ولأن الهيئة أتت في توقيت حرج وقدمت بمباركة وتأييد الدولة – وإيمانها المطلق بأن الخلل ليس يسيراً كي ندفنه في غمضة عين – كان المتحمسون مع هيئتنا يحسبون الأيام لا الأعوام من أجل افتتاح المشوار بوجبة دسمة تشير إلى أن هيئة مكافحة الفساد قادرة على الوقوف في وجه الكبار وقص الأجنحة التي كانت تمارس الطيران في مساحات الفساد بلا حسيب ولا رقيب.
الهيئة تحتاج إلى سطرين عاجلين لتخرج من خناق من يظنها هيئة شكلية لا وطنية في وجه الفساد. السطران يتضمنان الحديث بجرأة عن جملة التحديات التي تعترضها في الطريق وإن كانت متأخرة، ومن ثم سر الازدواجية الخانقة لها نحو الشروع في مفردة «مكافحة»، والأهم أن نعرف ماذا آلت إليه جملة الاستراتيجيات الوطنية التي وضعتها على طاولة البدء؟ فالهدف من الهيئة لا يجب أن يتوقف عند مبنى وقسم واستراتيجيات وخطط وتحديات وعوائق.. يظل في الانتظار وعلى هاتف الاتصال من يصرخ: وماذا بعد؟
علي القاسمي
>