لا تخف أنا وراك .

هذه الكلمة قالتها الممرضة السعودية في مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية مسلية الشهري، وهي تساعد مقعداً على الصعود على الدرج بعربته.

والواقع أن هناك آلافاً من مسلية، يدعمون من أمامهم قولاً وعملاً، وهو ما يمكن تسميته بالدعم والاستثمار في الإنسان بإعطائه الأولوية.. للاهتمام به؟ فهو اليوم، الجيل الناشئ، وغداً هو الجيل القائد، والاستثمار يشمل منحه فرص التعليم والرعاية الصحية وكل مستلزمات التكوين العلمي والمهني حتى يكون قادراً على تحمل المسؤولية. وقد حفظت لنا المكتبة التراثية شيئاً من ذلك:

استثمار أمنا عائشة رضي الله عنها في جيل التابعين، عروة بن الزبير، وعطّاء بن رباح، إمام الحرم المكي، بعد عبدالله بن عباس، ومسروق بن الأجدع إمام الكوفة وغيرهم.. فأصبحوا فقهاء الأمة.

استثمار أم زيد بن ثابث في ابنها بعدما رده رسول الله صلى عليه وسلم، عن الجهاد لصغر سنه (13) فعلمته أمه لغة اليهود.. فأصبح مترجم رسول الله.. وأحد كتّاب الوحي.

استثمار أم سفيان الثوري، في ابنها، وكانت تقول: أطلب العلم، وسأنفق عليك بمغزلي هذا، وبعد حين قال العلماء: ولم يبقَ من تجتمع عليه الأمة بالرضا إلا سفيان». ومن ذلك، استثمار أم الإمام الشافعي، في الشافعي، واستثمار أم أحمد بن حنبل، في أحمد بن حنبل.

والتعلم على أيدي النساء معروف مألوف، فعلى سبيل المثال: ابن القيم تتلمذ في دمشق على ست الكتبة نعمة البغدادي، وفي القاهرة على يد أم عبدالكريم فاطمة الأنصاري، وفي الإسكندرية على يد خديجة الأصبهاني.

وكذلك كان ابن الجوزي رحمه الله تعالى قد ذكر في مشيخته أنه سمع من ثلاث نسوة، وكذلك السيوطي الذي تعلم على يدي 40 امرأة من محارمه، وذكر عدداً منهن في مقدمة كتابه «التحدث بنعمة الله». وتصدر المرأة للتعليم أفضل وأنجح من تعليم الرجل، ليس فقط تعلم الحرف، بل التعلم في مدرسة الحياة، والشواهد واضحة على بعض الأيتام.. ومما أذكر ما تردد مؤخراً عن (الجدة نورة المشيقح) قالت: جمعت أولادي وأحفادي قبل 12سنة وعددهم 40 شخصاً وعرضت عليهم مشروعاً ندخره للآخرة وهو حفظ القرآن الكريم، وبدأنا الحفظ واليوم أتم منهم 36 شخصاً حفظه كاملاً وبقى أربعة.. إن صلاح الجد يستمر إلى الحفيد، وفي قصة الكهف، كان صلاح الأب سبباً في حفظ كنز الأيتام.

لقد زاد الاهتمام العالمي برأس المال البشري في أعقاب التوجه الدولي نحو العولمة الذي يتطلب تراكماً كمياً ونوعياً في رأس المال البشري بحيث يكون قادرًا على إحداث نقلة كبيرة في هياكل الإنتاج والتوزيع على مستوى الاقتصاد العالمي. هذا الأمر دفع معظم دول العالم لتخصيص مبالغ مالية طائلة لإعادة هيكلة التعليم وتطوير برامجه بهدف تحسين خصائص رأس المال البشري وجعلها أكثر ملاءمة وانسجاماً مع متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ومن هنا سعت حكومة المملكة إلى دعم الابتعاث الخارجي؛ للإفادة من مخرجاته في التنمية الشاملة عن طريق تأهيل شباب الوطن، وأعمدة حضارته في أفضل الجامعات العالمية وأكثرها خبرة، في جميع التخصصات التي تحتاجها التنمية الآنية والمستقبلية.

ومن روائع الاسثمتار المعاصر في البشر، – على المستوى الشخصي الفردي الذي تعدى المؤسسي – استثمار الداعية السميط في طفلة صغيرة تدعى (زينب) كانت (ووالدتها) في حالة يرثى لها؛ لكنها نجحت وتفوقت، والتحقت بكلية الطب بناء على رغبتها، ثم أصبحت نائباً لوزير الصحة في كينيا.

حقاً إن بناء البشر أهم وأصعب من بناء الحجر، فمن السهل أن تبني سوراً عظيماً، ومن الصعب أن تبني حارساً أميناً..

د . علي يحيى السرحاني
جامعة الملك سعود الصحية
‏google.net2@hotmail.com>

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com