على أبواب الليلة المنتظرة لإعلان الموازنة العامة للدولة، سأقول بكل وضوح إنني في بالغ الاستياء من أحاديث المحللين وخبراء الاقتصاد عن “الاحتياط” المالي العام ووسائل “الاتكاء” عليه وطرائق السحب منه. بالبلدي الشعبي، أنا في غاية القلق لأن هؤلاء يتحدثون عن السحب من الاحتياط العام بذات اللغة وطرائق التحليل التي تتحدث بها، أو كانت، هذه القرى الجبلية تمارس ذات المنهج مع “عشيرة” الجماعة قبل خمسين سنة. ولمن لا يعرف المصطلح فعشيرة الجماعة هي “عشر” الناتج الإجمالي “القروي” الذي ترفعه القرية حساباً لأيام الجفاف واليباب وأشهر الحاجة.
باختصار مباشر: أنا مؤمن أن كل ريال في وديعة الاحتياط العام للدولة هو حق الأجيال السعودية بعد خمسين سنة من ليلة هذه الموازنة. بكل مكاشفة ووضوح: نحن أخذنا من حصة الأجيال القادمة إلى تراب هذا الوطن الغالي كل شيء كي نتركهم في الزمن القادم ساحة جرداء من كل كنوز وخيرات هذه الأرض. استنزفنا بحيرات المياه الجوفية التي كانت تنبع تلقائياً على عمق مترين، ونحن نحفر اليوم آبارنا على عمق ألف متر. سنترك لهم مدناً مثل بيشة ونجران والأحساء وبريدة وتبوك بلا قطرة ماء للحياة. نحن الجيل الذي قتل أمام الأجيال القادمة كل الغطاء النباتي والمحتوى البيئي الهش في الأصل وحتى اللحظة تتحدث التقارير عن تحويل مليون مزرعة إلى مخطط سكني. بكل صراحة وشفافية: نحن الجيل الذي يتعامل مع كنوز وطنه تماما كما تفعل أسراب الجراد التي تتعامل مع الأرض وخيراتها بذكاء مدهش، لأنها تعلم أنها سترحل عنه مع تباشير الصباح، وهذه خطيئة جارحة ومؤلمة.
الخلاصة أنني لست خبيراً بنظريات الاقتصاد، ولكنني مؤمن تماماً أننا نستطيع الحياة بأمان بسعر فقط في حدود الخمسين ورقم إنتاج في حدود الملايين الخمسة لتبقى “الآبار” ذخراً و”عشيرة” لأبناء محمد وخلدوووون الصغير. نحن الجيل الذي شرب كل الماء الذي اختزنه جوف هذه المملكة في ثلاثين عاماً، فلا تجبرونا على “شرب” كل ما تبقى من ذهبنا الأسود في الثلاثين عاماً القادمة. لكن الخطيئة التاريخية أن نواصل “نهم الشرب” لحق الأجيال القادمة في الاحتياط المالي العام ونحن بكل الوسائل نستطيع أن نعيش وأن نحيا من دون اللجوء إليه.
علي الموسى
>