التشدد..”صحراء الشك”
علي القاسمي.
يتدحرج التشدد ككرة ثلج، ولا ينكر عاقل متزن ألم جني أشواكه يوماً تلو الآخر، كنا نجنيها في السابق من الوقت لفضيلة الصمت حينها، فقد حفظنا على جهل أنه خير من الكلام، وعلمنا حين كبرنا أن الصمت درس مهم لبلع كتاب الحفظ والتلقين في زمن وجيز، دارت الأيام وكانت حبلى بالأحداث والمفاجآت، ليكون الصمت أمام الحقائق الصادمة أشبه بالخيانة الصريحة والرضا المبطن في جرف الناس للمحارق والصراعات وبحر الفتن. لم ولن يكن التشدد وليد صدفة أو مخططاً من الآخر الذي نرمي عليه جل انكساراتنا وخيباتنا، بل هو بركة الأوصياء على الدين، المنفردين بمنابره لمصلحة، المؤطرين له وفق ما تمليه الأهواء والرغبات، المرتدين لعباءته كتجارة، والمتحدثين الرسميين باسمه.
يبدو أن في المقبل من الأيام مشاريع عمل جبارة، مضينا في خط واضح لمكافحة الإرهاب، ونعد العدة لمكافحة التطرف على رغم ضبابية الموقف وعدم وقوفنا بثبات على مفهوم واسع شامل له، ونحن الآن وإن كان حضورناً متأخراً بعض الشيء في انتظار عمل جماعي لمكافحة التشدد لأن التشدد بذرة النشء للمآسي الكبرى التي نحن بصدد مكافحتها وهو إبرة التغذية للإقصاء والكراهية والتكفير والطائفية والتجريم.
لا يعرف المتشدد أنه على درجة عالية من الخطورة، والإساءة البالغة للدين الشامل السمح، ولا يدرك البعد الفظيع لتصرفاته وسلوكياته ومستوى الوعي الذي يقف عنده، هو يرى على الدوام انجراف وانحراف من حوله، فلوازم الشك التي تعتريه وذهاب جل المسائل في ذهنه للتحريم كحكم نهائي وحيد جعلاه في هلع زائد عن الحد.
لا يتطابق سلوك المتشدد قطعاً مع ما يدبجه من عبارات وجمل إذا ما أحاطته أعين البسطاء وخدعته وجوه المندهشين اللحظيين، فهو كشاحنة سريعة الاشتعال لمجرد التماس والالتماس، وكم حولي وحولكم من المتشددين المأزومين من يجاهد في القشور ويتفرغ لها، ويتحرك في محيطه بوصفه المصلح المرشد الوصي الآمر الناهي، لا يتردد في إلقاء المواعظ أو الدخول في أي نقاش على رغم أن محصلته المعرفية لا تتجاوز حفظه الفقير من الفهم، والعاجز عن الربط بين نص ونص أو تفكيك نص عن آخر، المتشدد يدخل في خانة المرض النفسي، فالنزاع الداخلي الذي يعيشه بين الذنب والمغفرة يحيله لقنبلة موقوتة يمكن أن لها أن تنفجر على أتفه الأسباب.
المتشدد فهم الدين من زاوية رأي واحد وصوت واحد، حقن بجرعات عالية من الشك في أي مواجهة، نمى عضلاته لقناعته بأنها الفاصل في أي مشهد مواجهة، درَّب حباله الصوتية على التدرج في الطبقات والتنوع في موسيقى الصراخ، ولأننا وأنتم نعبر من الشارع ونعرج على السوق، فلا حرج من أن يتناول بالوننا المتشدد ما تيسر من المفردات الشوارعية السوقية، فهي أسلحة ضرورية للمضي في المشاريع المباركة ومحاربة أعداء الله، فمن أسهل ما يمكن أن يطلقه المتشدد على من يخالفه أو لا يعجبه أنه عدو من أعداء الله وجندي من جنود إبليس، وهو إطلاق ببغائي لا يحقق هدفاً ولا يوصل رسالة، بل يحكي الواقع المر الذي قوبل بالصمت فأبكانا وأشقانا ويشير للنفق المظلم الذي يرى أوله ولا يعرف آخره فضلاً عن أن يثق بمن هم داخله.>
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة