ورحل الشيخ الجليل .. ابن جفشر في ذمة الله

بقلم / سعيد بن عبدالله آل جفشر الحنيش
ورحل الزاهد العابد الوالد الشيخ الجليل عبدالله بن علي آل جفشر الحنيش رحمه الله بعد رحله عمره المباركة التي بدأت بولادته رحمه الله رحمة واسعه في وطن جزعة ابن الحنيش بلاد وقشة قحطان بالسراة في بدايه الخمسينات من القرن الماضي وانتهت حين القى عصا الترحال في مدينه ابها وفاضت روحه الطاهرة فيها بعد أداء المصلين لصلاة فجر الأربعاء الثالث من ذي القعدة من العام ألف واربعمائة و واحد وأربعون للهجرة النبوية المباركة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم…
وفي هذه اللحظات ما بين هذا الوقت إلى بزوغ الشمس وقفنا نسترجع الذكريات الحميدة لوالدنا رحمه الله ونحن في ذهول نواجه الصدمة الأولى بصبرٍ واحتساب وحمداً لله على قضائه وقدره .
لنذكر من خبره العاطر رحمه الله أنه بات ليلة وفاة أمه رحمهما الله قبل نحوٍ اكثر من خمسة وسبعين عاماً بات يقرأ القرآن فقرأ بـ ( يس ) وما تيسر من كتاب الله جل وعلا وقفنا نذكر من خبره ما واجهه في حياته من فراق الأحبة واحداً تلو الأخر والده رحمه الله وعمومته وبعض زوجاته وأبنائه في حوادث متفرقة من صدوف الدهر وأقدارالزمان التي قابلها بصبر واحتساب ورضا وشكر لله جل وعلا .
ومن أجمل صور الإخاء والتلاحم والمودة التي يضرب بها المثل سعيه الحثيث مع شقيقه وأبناء أخته لالتماس العلاج لأمهم شقيقة والدي حيث ارتحل معها إلى دولة العراق فترة طويلة طلباً للشفاء والعافية بإذن الله محتسباً ذلك في ميزان البر والصلة والواجب الذي تحتمه الأخوة والقربى .
ومرت ذكرياته رحمه الله سريعاً .. وبدأنا نتذكر وصاياه وفي طليعتها : أنه إذا فارق الحياة ودُفن في قبره فلا نذهبن عن قبره إلا بعد ساعة من الوقت
وهذه الوصية عهد بها إلى شقيقنا علي عندما كان بصحبة أبي في تشييع أحد الأقارب إلى مثواه الأخير .
فقد مكث يرحمه الله بعد الفراغ من الدفن على قبر الراحل يرحمه الله ساعة زمن يدعو له ويرجو له الرحمة والمغفرة والتثبيت عند السؤال .. ووجه القول حين ذاك لأخينا : أن ( شفت اللي صلحته على قبر عبد الله ، إن أنا مت فصلح مثلي )
لا إله إلا الله محمد رسول الله
(والله ما أحطك بالقبر ،، لكن آمنت
باللي جعل دفن المسلمين مسنون) *1
وتمر الذكريات ثقيلةَ ، وسريعةً ، ومؤلمة ، ومطمئنة ،،، يحدونا الأمل والرجاء في رحمة أرحم الراحمين ويسلينا ويصبرنا ما كنا نراه عليه من التزام وتقوى وبر.. هكذا نحسبه والله حسيبه ، وما يشهد به الخلق ، فالخلق شهود الله في أرضه .
يا لها من ذكرى لا تفارق الناظر ولا الوجدان … مسجده وأذانه وصوته الشجي ، مشيه ووقاره ، تسبيحاته ، مصحفه ، كرسيه ، قلمه ، خطه ،
توجيهاته ، هدوؤه ، اتزانه ، حفظ وقته ولسانه ، النأي بنفسه بسياسة نقدية قلما توجد إلا لدى من فتح الله عليه .
فلم يكن صخابا ولا حلافاً ولا همّازاً ولا لمّازاً ولا مغتاباً ولا سماعاً للغيبة ولاتبّاعاً لمواطن الشبه ، بل كان لا يفتر لسانه عن التهليل والتكبير والتحميد والشكر لله والثناء عليه سبحانه وتعالى وحمده جل وعلا في السراء والضراء والصلاة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم حتى قبل وفاته بساعاتٍ قليلة كان لسانه يلهج بذكر الله سبحانه وتعالى .
رحم الله أبا سعيد فلم يكن يحسد أحداً ولايبخل بنصيحة ، كان شيخاً يجعل الحق والصدق والعدل والأمانة نبراسه ومذهبه وإمامه وكان إذا رُدت إليه الأمور وتعقل الرجال عند ركبتيه يريدون الحقوق استعان بالله جل وعلا وبقوله تعالى (والصلح خير) وأصلح بكل صدقٍ وشفافية بلا ميلٍ ولا محاباة فجزاه الله خير الجزاء ورحمه وأسكنه فسيح جنانه .
ولقد كان لتربيته الصالحة أكبر الأثر في ممارساته اليومية وطريقة حياته وتعامله وأقواله وأفعاله.
فقد تتلمذ على طاعة الله منذ ولد ونشأ وترعرع على يد والده صاحب الأعمال الخيرية ، صاحب الاحتساب بعمارة المساجد وتعبيد طرقها وتعهدها رحمه الله ثم على يد عمه الذّيْن ارتحلا لطلب العلم في (زبيد) ونهلا منه ما شاء الله لهما وهم بيت الدين والصلاح والعلم والتقاضي والحقوق وإصلاح ذات البين واهل الشداد القديم والتاريخ العريق القديم في الزمن اهل القصور الشامخه والخيل العتاق اتذكر شطر بيت يردده من ابائه (لي قيل في الإصلاح من اللي غدابها) ومن هذه المدرسه العريقه مدرسه ابائه واعمامه واسلافه(الجاعلين بيوتهم وقبورهم للسائلين عن الكرام دليلا)
ثم
على يد عبدالرحمن المطوع بعد انتقاله لمدينة ابها .
واعانه في تدريس العلوم الدينيه لنباهته وفطنته والمامه
حيث قرأ كتب الفقه والعقيدة والتفسير والسنة على يد فضيلة الشيخ العالم القاضي عبد الله بن يوسف الوابل رحمه الله ، والشيخ النعمي رحمه الله
وكان قد نبغ في دراسته النظاميه وكان يذكر معلميه بالخير ويترحم عليهم ويدعو لهم ومنهم المعلم الأستاذ الزبير سوداني الجنسيه والشيخ الأديب محمد بن عبدالله الحميد والأستاذ ابن عياف وغيرهم رحمهم الله جميعا ونبغ في علمه وعمله وتبوأ المراكز العلا حتى مُنح مسمى لا يحوز عليه إلا الأوائل والمتميزون من الطلبة في ذلك الوقت هذه النباهه التي جعلته مؤهلا أن يلقي كلمة أبناء التعليم في حضرة الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله إبان زيارته الأولى لمدينة أبها بعد مبايعته بالملك تلك الكلمة التي كان مطلعها (حي الإله سعودا) وكان في مقدمة المسيرة حاملا راية لااله الا الله محمد رسول الله ومازلت اتذكر مايرويه لنا من هتافات ربعه وبني عمه عامه وابن عمه الشيخ محمد بن عوض (ابوعمير) خاصه ورفيقه المقرب علي بن درع بن خزيم فخرا واعتزازا بهذه الأعمال التي ماكانت الا بتوفيق الله له و عصاميته ومثابرته واعتزازه بماضيه وتطلعه إلى مستقبله رحمه الله
نعم إنها الذكريات الحديثة والقديمة والكثيرة والتي لايمكن المرور عليها جميعها في هذا المقام و التي لازالت صدورنا وأذهاننا تجيش بها وتمتلئ بها أنفسنا .. فلازالت ذكريات ضربة ابها في ثمانينات القرن الماضي تتردد اصدائها من لسانه ممتزجة بالألم والاعتزاز بمواقف الوطن والشعب والقيادة مازالت ذكريات ذلك الصوت الجهوري في ترحيبه بأضيافه يطن في أذني ومازال صدى ترحيبه المتكرر المتوالي بشقيقي سعد يوم عشرين من شهر شوال من العام ألف واربعمائة وواحد وأربعون هجرية يتردد في أذني ويجول في قلبي ووجداني .
كان يملك قلباً متسامحاً مع الجميع لا يعرف ضغينة ولا حقداً مع قوته وصلابته
(كم واحدٍ عاداك واعفيت واحسنت
واخلفت ظن جموع ناسٍ يظنّون ) *2
له الله ..! كم كان معيناً لنا بدعائه ودعمه ومدّه وعطائه وسخائه وتوجيهه وتشجيعه و صدقه .
لم نكن نعرف عن أعماله الخيرية شيئاً إلا بعد رحيله عن هذه الدنيا ، وبعد أن شهد له بذلك أعيان وكبار قبيلته ومجاوريه ، ومن عرفه ، أما نحن فلم نكن نعرف عن أعمال إحسانه شيء نحن أبناؤه إذ لم تكن شماله تعلم عن ما تنفق يمينه رحمه الله .
رأينا مدخلاته المالية ثم ما أنجز من أعمال رحمه الله دون ضجيج أو صخب أو إثارة ، فعرفنا أن من جعل قلبه للآخرة أتته الدنيا وهي صاغرة ، وأن ما كسبنا في حياتنا إنما هو بفضل الله ثم بفضل والدنا الشيخ عبد الله رحمه الله …
أيقنا أنه رحمه الله قد ترك لنا حملاً ثقيلاً من أعمال الخير والقيم ومنارات الطيب إضافة لأفعاله وأفعال أسلافه رحمهم الله أجمعين ، وأدركنا أننا أمام مسؤولية جسيمة نسأل الله أن يمنحنا العون حتى نصل ولو إلى الجزء اليسير من أعماله الكريمة الحميدة وطموحه الشريف ومرامه العظيم .
رحمك الله يا والدنا الكريم الشيخ عبد الله بن علي بن جفشر آل حنيش ووالديك ورحم موتانا وموتى المسلمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين>

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

تعليق واحد

  1. خواطر_مجتمع _خواطر _مجتمع

    _رحم الله والد الجميع :
    الشيخ الجليل / عبدالله بن علي آل جفشر _ رحمة واسعه و أسكنه فسيح جناته_ولاشك بأن الشيخ عبدالله رحمة الله عليه (أحد رجال الوطن المخلصين _ ومن رموز قبيلة قحطان المؤثّرين _ ورموز الوفاء، صاحب أيادي بيضاء في العمل الخيري والإنساني المشرف.. الخ.، أحبه البعيد قبل القريب، نظير ماحباه الله من صفات جليله وكريمة.
    _نسأل الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يغفر للشيخ وينزله منزلاً مباركاً، مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً وأن يجازيه عن الأحسان إحساناً وعن الإساءة عفواً وغفراناً وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن يبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com