أشكر بعمق الأخ العزيز الدكتور سلمان العودة لأنه أهداني ثلاث ليال من سباحة القراءة الماتعة. اشتريت كتابه تحت إغراء العنوان وفكرة التقديم. اشتريته لأنني ظننت أنني سأجد في الكتاب جوابا عن سؤالي المزمن: لماذا يحاول الخطاب الديني على الدوام أن يعيش تحت وهم حتمية (العدو)؟ واشتريته لأن الكلمة التاسعة في التقديم لهذا الكتاب تتحدث عن (معركة)، لكنني اكتشفت أن الكتاب برمته ليس إلا محاولة جادة لنسف العنوان وتفكيك فكرة التقديم لقطبي (الأعداء والمعركة). أنهيت قراءة الكتاب لأتذكر ما يلي: عدت بعد ظهر الجمعة من الصلاة مصطحبا طفلاي (محمد وخلدون) بعد أن أكملنا تراتيل التأبين خلف خطيب المسجد وهو يدعو بالويل والهلاك على كل (عدو). تكتشف بعد قراءة كتاب (سلمان العودة) أننا نذهب كل جمعة في خطب متراصة لندعو بالهلاك على بعضنا البعض، ولو أننا طبقنا نظرية الخطيب ذاته على بعضنا البعض لانقسمت كل مساجدنا إلى (عدوين) ومعركة.
اكتشفت أيضا مع الورقة الأخيرة من هذا الكتاب جوابا للسؤال الذي سأله لي آخر أصدقاء والدي – رحمه الله – وهذا الوالد الصديق يسألني: ماذا تعلمت وماذا كسبت من صفات أبيك؟ والجواب أنني ورثت من والدي ما لا أستطيع تطبيقه، مثل قدرته الخارقة على التصالح مع النفس، وأيضا معركته الطويلة لسبعين عاما دون أن يخلق لنفسه عدوا أو مناورا أو مناوشا رغم طبيعة المجتمع القروي التي تقاتل بشراسة على كل متر مربع من الطين وكل قربة من مياه البئر. رحل والدي في حالة قروية نادرة جدا لرجل يقضي سبعة عقود من الحياة دون فكرة لخلق (عدو) واحد منفرد، وأنا هنا أكتبه في محاولة لإسقاط نظرية (الكتاب) الكبرى على حالة واقعية وإن كانت هامشية بسيطة. والكلمة الوحيدة التي لم أكتبها بعد في ثنايا هذا المقال هي كلمة (الاختلاف). كلمة (الاختلاف) هي المفردة التي بنت وساهمت في تطور الأمم والشعوب التي تتسيد عالم اليوم، وعلى النقيض فإن فكرة خلق (العدو) هي من جعلتنا اليوم في ذيل قوائم العالم بعد أي (مئة) تصنيف لأي رقم وفكرة. خذوا في المقاربة الأخيرة: أول طاولة نقاش وحوار حول الاختلاف بنيت خشبا في مدينة (مونشن غلادباخ) الألمانية، وعلى النقيض المقابل آخر طاولة تستأثر بنشرة الأخبار كانت لأقطاب الأعداء من أقدم عاصمة مسلمة على وجه الأرض.
علي سعد الموسى>