دعاة..الصف الأول الإبتدائي !

علي-القاسمي-عسير1-55x55تكفي تغريدة واحدة لجلب الانتباه في ظل الهوس الشعبي بالمتابعة وملاحقة الغرائب والعجائب واصطياد الساخر والفاخر منها، والتوقف بذهول أمام ما تتجلى به ذهنية بعض الأشخاص الذين يحاولون أن يكبروا في الميدان ويثبتوا أنهم قادرون على التفكير والتحليل، والأهم أن يصبحوا أوصياء على نبض وعقل وخطى ونوايا السعودي، لكونه برأيهم حالاً فريدة واستثنائية في أي مكان حل وحيثما رحل، وصاحب خصوصية لا مثيل لها، وخصوصاً في مشاريع ما تحت الحزام.

التغريدة «التويترية» الأشهر في الأيام الماضية والحائزة على حراك كبير مصحوب بما تيسر من الاندهاش والاستياء وربط الرأس تلك التي حضرت ممن وصِف بداعية سعودي، وأفصح فيها قائلاً: «لقد أصبح الحرم الملكي خطراً على الشباب للانفلات الحاصل في الحجاب والاحتشام، وكثير من الناس يصد عن الذهاب إليه لهذا السبب»، هذه الإبداعات الفكرية دليل صريح على أن ثمة من لا يزال تفكيرهم منحصراً في زوايا ضيقة، وأن عقولهم تعمل من دون دعم فني زائد من الشيطان.

أقف على السطر الساخن الأهم في حكاية التغريدة الهشة، وهو تناول مفردة «داعية» بشكل عاجل وسريع، لمجرد تصدر المنبر والوقوف أمام حشد من الناس، كان قدرهم أن يكونوا في التوقيت الذي قرر فيه مواطن سعودي أن يتصدر للدعوة، ويتحدث مستأذناً في بضع دقائق قابلة للتمدد والسباحة في جملة من القضايا والتحذيرات والمخاوف والشروحات والحواشي.

تداول مسمى «الداعية» بهذه السهولة سيضعنا في مواجهة «دعاة.. الله بالخير»، وينتج منهم كميات لا تستند إلى علم حقيقي أو سعة اطلاع وقراءة واعية كاملة لما يستوجب الحديث، بل وتصدر ما نخاف منه من دون أن يقول لها وطني نابض: لماذا؟ وإلى متى؟

أعرف مواطنين بسطاء تحولوا لدعاة بسرعة فائقة من خلال معسكر أسبوع داخلي لتصفح بعض المجلدات والكتب الدينية، ومن ثم أسبوع مغلق آخر لتعلم كيفية تقديم دقائق تغذية لمتلقين ظلوا سنوات طويلة في حال انجذاب كلي لمن يبرع ويبدع في فن الخطابة وتظل حباله الصوتية آية في التدرج والتموج والعرض، أما داعيتنا الجهبذ الفائت فنحمد الله أنه لم يكن مسؤولاً عن صناعة قرارات دينية ولا شرعية ولا تنفيذية تتعلق بالحرم المكي، وإلا لربما رأى توزيع الطواف على مراحل وجعل للنساء يوماً كاملاً أو في نهاية عطلة الأسبوع، ومنح الشباب الفترة الصباحية والكهول بعيد صلاة المغرب، وهكذا من الأفكار التطويرية الباعثة على فقدان الأمل، والمتحدثة عن خلل تفكيري لا يعالج بالحبوب ولا بالإبر، مثل هؤلاء لا بد من مساءلتهم وإسكاتهم، فهم يحيلون الشعب لمجرد آلة جنسية متحركة، حتى وهو في أطهر البقاع وفي الأمكنة التي تتجرد فيها النفس من كل الرغبات والأهواء، ومن يفكر في هذه اللحظات برؤية مائلة شكاكة وتفكير مهووس منحصر على الجنس لا بد وأن يساءل ويحاسب، ففي هذا الطرح الهابط و«الكارثي» إن صحت التسمية إساءة للمكان ومن يقوم عليه، وإيجاد مساحة مناسبة لمن يريد أن يصطاد في الماء العكر من الأعداء الذين لا يعرفهم الداعية الداهية، ولا أزال قبل نقطة الختام متوقفاً حد التسمر من مفردة «خطر» في التغريدة الشهيرة، لأنها مفردة مسافرة في الغباء والجهل!

علي القاسمي>

شاهد أيضاً

أسرة ال دليم مدرسة في الحكمة والحنكة

  بقلم أ/ خالد بن حريش ال جربوع في ليلة جمعت بين الحكمة والحنكة وبين …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com