تواصل اليمن بقاءها على خط النار لمدة مقبلة مجهولة، حتى وإن غلفت الساحة من الانقلابيين بعبارات التخدير والتطمين والوحدة الوطنية. صنعاء باتت تتوقع الأسوأ، لأنه لا مساحة لتفاؤل ممكن في ظل الخذلان الدولي والأزمات الدائمة تجاه صناعة أي حل لمأساة عربية، اليمن بلد بلا حكومة ويعيش «بلطجة» غير مسبوقة، وهاهو منذ يومين يتجه نحو أن يكون بلداً بلا سفارات. النفق المظلم الذي تذهب له اليمن اليوم بمباركة المراجع، وفرق الفتن، والجماعات الإرهابية، والعملاء المستأجرين لبعث الشعب المحبط إلى مجازر تتكئ على الطائفية والقبلية هو أسوأ الأنفاق المظلمة في العقد الأخير، لأن النفق هذه المرة يُمهد لتمزق صريح، وتفتت رهيب، واندلاع أزمة طاحنة للهوية اليمنية المختطفة.
لليمن حظ رديء في العيش بمحاذاة حقبٍ متآكلة، وصراعات دامية، وركل سياسي طائفي شعبي قبلي، لكرة الصراع السياسي من ضلع لآخر، ولكن العمائم مدمنة التخريب مهدت لتحول هذا الوطن العربي إلى بلد سهل الهضم والبلع، وتمد من بعد ذلك أذرعها في التوقيت الذي تراه مناسباً والكيفية التي تحلو لها.
الوضع اليمني دخل مرحلة من الهشاشة لم يسبق أن دخلها، وتخشى أن ينسحب هذا الوضع ليلتقي مع سابقيه في التردي والدم والتصفيات والظلام الدامس، مثل العراق وسورية وليبيا، فضلاً عن أن النسيج اليمني من نفس القماشة الخليجية التي عليها أن تحسب جيداً لارتدادات الحال اليمنية بما يتناسب مع المخاوف والمخاطر المتوقعة.
الحرب الأهلية إن حدثت واشتعلت فلن يسهل إطفاؤها مطلقاً، في بلد معلوم أن عدد الأسلحة فيه أكثر من عدد أفراد الشعب، وفي بلد اعتاد أفراده حمل السلاح باعتباره رمز حياة وخطة طوارئ، عاش اليمن في وقت قريب وقبل مآسي الربيع العربي منتمياً لسلطة تقف في وجه الحوثيين حتى وإن سرقت الريالات، وقبضت ثمنها دولارات، لينتقل إلى سلطة تتباهى بحمايته من نفوذ «القاعدة»، وهي تمارس احتلالاً متقناً للأخضر واليابس.
مرجعية الانقلابيين لا علاقة لها باليمن، وهذا ما تقوله الصور المعلقة في شوارع بعيدة عن اليمن، وكأنها تحتفل بانضمام اليمن كجزء مصغر من اللعبة الكبرى على رغم أن مشروع الحوثي في اليمن مشروع أكبر من التصور العاجل المنحصر في صورة واسم وشعار، سينفد صبر اليمنيين إن لم يكن نفد، وهم يتحملون ما لا يمكن تحمّله، ولا تنقصهم قطعاً الشجاعة التي تدفع بهم لتغيير ما يمكن تغييره، لكنهم في حاجة ماسة لجرعات هائلة من الحكمة، كي يحتوون المشهد والتفريق بين ماذا يعني الصبر وكيف تكون الشجاعة. اليمن يذهب للمجهول ما دامت انتماءات ناسه للأحزاب والشخصيات السياسية والمصالح، ليكون البكاء على صنعاء مسألة وقت ليس إلا، وسأحاول قبل نقطة الختام الهرب من مخاوفي لما وراء السخرية الفظيعة التي سكبتها أحبار مجهولة عبرت عليها ذات قراءة خاطفة حين قالت: «عندما يتفق ساسة لبنان على تعيين رئيس الجمهورية مع حزب الله سيتفق ساسة اليمن على تشكيل مجلس رئاسي مع أنصار الله»… لأقول: «إنها لعنة التوجيهات القادمة من مراجع عمائم الألف والنون».
علي القاسمي>