
بقلم: إبراهيم العسكري
أعترف لربي العظيم أنني لست صالحا بما يكفي لكني أحب الله حبا يعلمه لا يخالجه شك أو ريبة وأخافه وأتأمل من جلاله عفوا يمدني برحمته التي أحاطة بكل شيء علما ويمدني بما يقربني لطاعته ورضاه..!!
بمنتصف الأسبوع الماضي بقريتي الحالمة وعلى سطح بيتنا تناولنا ذلك الغداء المزين محيط سفرته بورود من أفراد أسرتي وأحفادي كان الوقت قبيل صلاة العصر..
وبعد الغداء صلينا العصر جماعة محدثكم الأب وابنه أنور وحفيده البراء المتواجدون حينها من الرجال حفظ الله الجميع..!
بينما كنا نشرب الشاي بعد الصلاة تلقيت اتصالا من أحد أشقائي أنه هو والشقيق الآخر بأعلى الجبل المسمى جبل شعبة يابس شرق قريتنا يؤكدان على حضوري معهما لاستكمال ارتشاف الشاي والتمتع برؤية شمس الأصيل من أعالي ذلك الجبل الشامخ فذهبت لأشقائي وذهب ابني أنور في نفس اللحظة مع صديقين له ممن نثق بهما وكلهم يحملون فرحة تخرجهم هذه الأيام من الثانوية العامه بامتياز وذهبوا جميعا للتنزه إلى السوده التي تبعد عن قريتي قرابة سبعة كيلوامترات فقط..
مكثت مع أشقائي حتى أذن المغرب فصلينا في نفس الجبل وبعد الصلاة عكس أخي الإمام جلسته ليقابل جبال السودة ويقابلنا كمأمومين ويكمل التسبيح فإذا به يؤشر بيده خلفنا أن هناك أنوارا وفلاشات تتضح مع دنوا الليل لعدد من سيارات الإسعاف والدوريات والدفاع المدني على بعد أربعة كيلوا مترات تقريبا من موقعنا وقال يبدو أن هناك حادثا مروعا وعندما اتجهنا بالأنظار للموقع رأينا بالفعل ما يوحي بحادث مفجع..!
فجأة قال قلبي لعقلي اتصل بابنك أنور للتأكد أن لا يكون طرفا في ذلك الحادث لأنه الطريق الوحيد المؤدي للسودة وقال الرأي الآخر أن نسبة احتمال أن يكون ابنك ورفاقه طرفا فيه ربما واحد في الألف فهو راكب مع زملاءه وهم على درجة من الوعي والإدراك ويعرفون الطريق ومفترقاته لكن تناولت الهاتف مكررا اتصالي على ابني لأقطع الشك باليقين..!!
ابني البار عودني أن يرد في اللحظات الأولى من كل اتصال الا أن هاتفه يرن ولا يرد..!!
بقيت أكرر اتصالي دون أن يرد..
لعب القلق والخوف بي فاستدعاني ذلك للاتصال بأمه لعله نسي جواله في البيت فقالت أن جواله معه..!
فأوضحت أننا نرى حادثا نخشى منه واشرت للمكان فلم تكذب الأم خبرا وصارت الاتصالات لهاتف ابني متواصلة مني ومنها باستمرار وبينما أكرر الاتصال وقبيل صلاة العشاء بدقائق رد أحد رجال المرور من هاتف ابني وقلت له من معي فقال بل من أنت..!
قلت أنا والد لصاحب هذا الهاتف فقال جزاه الله خير أبشرك أن ابنك وزملاءه سالمين فقط تعرضوا لحادث في ذات المكان الذي رأينا الخطر فيه وأضاف أنهم حولوا للمستشفى لإجراء الفحوصات الطبية..!!
لم أُصدق ما قال فمؤشرات الحادث التي رأيناها تقول غير ذلك وبالتاكيد أن في الأمر خطورة وأبلغت أمه أنه بخير وسأذهب مع اخوتي لاستكمال إجراءات الحادث.
لم تمهلها الدموع وانقلبت ضحكات أهل بيتنا إلى مناحة بمجرد اتصال.
وأبت الأم إلا أن تذهب معي ثم وصلنا مستشفى أبها الخاص وعيونكم لا ترى مثلما رأينا من دماء تتناثر وأعضاء متكسرة أمامنا من أجساد أبناءنا فلذات الأكباد في طوارىء المستشفى..!!
أمه تصيح ترغب الدخول عليه في غرفة الإسعافات الأوليه للطوارئ وأنا وأخيه نمنعها بشده فالموقف لا يحتمل أن تراه الأم ولن أحدثكم بصعوبة الموقف الجلل..!!
هناك أُثقل كامل جسدي بمشاعر مؤلمة من الحزن تتفطر لم أقواها لأكتمها في نفسي ودموعي لم تمهنلي أن أقف كرجل صابر محتسب على الأقل أمام أمه..!
لا تلوموني فانا أرى جزءا مني يتأذى ويتألم أمام ناظري ولا أملك إلا كتم القهر بالدعاء لمن يملك الحول والقوه فأتنهد وأطلب من ربي يا الله أنا عبدك الضعيف المقصر ورغم تقصيري وخجلي أطلب أن تجبر مصيبتي وتمدني بالصبر وتفرج همي وكتم أنفاسي حتى لا أنهار أمامهم..!!
الحب الذي في قلبي والرحمة بابني البار المتلطف بي أعادت شريط السبق في تعامله الرائع معنا فلم أناديه قط. إلا وهو يقول لبيه يا الغالي أبشر وسم وآمر فهو يعرف ويستوعب كثيرا مزاجيتي المتعكرة أحيانا ويتلطف بي وإن تجاوزت.
ولايهون بقية أخوته..!!
رجوت ربي العظيم وطلبته أن أكون في مكان ابني المؤلم فربما أنا أحق بالرحيل وقد تشبعت من الدنيا وانكساتها الكثيره..!!
للأسف كل ذلك لم يجدي مجرد احلام يقضة وأمان أتخيلها أمامي كالسراب..!!
أراه ينزف دما فأتقطع وأكتم كل أنفاسي ودموعي أمام من حولي متظاهرا أنني رجل صابر قوي وقد تعصَرَ فؤادي على ذلك المنظر المؤلم جدا..!!
أود أن اصيح للجميع ياعالم أن ابني من أهلي وقطعة من جسدي تتأذى أمامي فأمنحوني بعدكم عني ودعوني أريح انفاسي وابكي فليس لي أكثر من ذلك. مع يقيني أن البكاء لا يريح أو يذهب الهم
لكنه ربما يساهم بتخفيف ثقل المصيبة والكتم الذي أستشعره في الصدر والأنفاس الضيقة حتي لا تنفجر أضلعي .!!
شعرت بالهوان وأنا العبد الضعيف المسكين وأحتاج مدا بالعون ومن يساندي في قواي
فعصاي تتألم من شدة توكيء وتسمع تنهدي وتستشف تحسري وضعفي فساندتني بكل قواها وأشارت لي مشكورة أن أضع كل حمل عليها وأن أضرب بها الأرض لتفريغ شحنات الخوف والجزع وشيء من الحزن والحسرة والدموع فهي صديقتي الوفيه ولن تلومني يوم ما …!!
دلني الحق الواحد القهار فاخترت أن أتحدث في داخلي له سبحانه برجاء فهو وحده يسمع النداء الخفي ..
رباااااه أنني كما ترى أعجز عن الحول والقوة التي هي لك وحدك في كل حين
رباااااه رحماك بقلبي الضعيف الذي اختلفت نبضاته بين مد وجزر بين أنين وصمت بين ضخ وشح…!!
رباااه رحماااك فإني لا أقوى نظرات أمه وأخوته لي بأن افعل شيئا يليق بالأبوه شيئا يلّطف الموقف شيئا يرفع الأذى عن ابننا ويجعله في غير الحال الذي نراه فيه..!!
أراه ينزف دما فأنزف دمعا أراه يتألم فأشعر بوخزات في قلبي ترهقني حتى بدأ الألم في سائر جسدي يلوك حتى صبري وأملي وبعد أكثر من ساعة ونصف أشار الفريق الطبي من حولي بأن عليء الرحيل ليتم تنويم ابني في العناية المركزة فرحلت بخطوات مبعثرة غير مركزه.
وكأن من ينتزع قلبي وفوادي داعيا خالق ابني وخالقنا من عدم وخالق كل شيء وقلت يااا رب كل شيء ومليكه استودعتك قطعة من جوفي فأنت ربنا ورب الأطباء القاصر دعمهم وامكاناتهم بدونك..!!
رباااااه وأنت النافع الضار مقدر الأقدار المعطي المانع منزل السحاب لايعجزك شيء في الأرض ولا في السماء اللهم اللطف واشف ابني وصاحبيه جميعا فهم في ودائعك التي لا تضيع اللهم إنك رزقتنا إياهم نورا وضياءا وخلفة في الدنيا فاحفظهم جميعا ابني أنور وصاحبيه المحمدين إذ هم في رعايتك وحدك..!!
لذة الأيمان العظيم يتجلى حينما نيقن بأن الأمر كله بيد الله والحياة ستمضي بمشيئته فمن رضي له ذلك ومن سخط كذلك..!!
اللهم ارزقنا القناعة ورضآ بما حكمت وقلبا لايزول منه الأمل بحسن الظن فيك..!!
سبحان الحي القيوم من توحد بالأسماء والصفات الحافظ عليه الاعتماد والاتكال في كل أمر فقد أمر سبحانة وتعالى بشائر الخير في اليوم السادس وهذا اليوم السابع من بدء الحادث الموافق اليوم الأول والثاني من غرة عشر ذي الحجة ١٤٤٢ه.
بدأت تتحرك أجساد ابني وصاحبيه وكأن ربي مقدر لهم جميعا الإفاقه من الغيبوبة سويا وبدل الله العسر بيسرين بل ايسار ميسره
وتبدلت دموع الحزن لنا ولهم ولكل محب بدموع الأمل والفرح والفرج.
كل ذلك بفضل من رجوناه القادر المحيي المميت النافع الضار فحقق بقوله تبارك وتعالى (كن) التي إعادة الأمل الذي كان في نفوسنا كبشر ميؤسا لولا رحمة ربي ورعايته ولطفه بسلامة فلذاة أكبادنا وتحققت أحلامنا وأمانينا باللطف والفرج وعدنا لأحلى أيام الحياة بين عشية وضحاها متجاهلين ما خلفته بقايا الكسور والجراح فالأيام كفيلة بطمسها فكأني أربط مع فارق التشبيه فرحنا بفرح نبي الله يعقوب بعودة ابنيه يوسف وأخيه حينما تبدلت دموع الأحزان بدموع الأفراح حتى ارتد بصيرا..!!
الحمد لك ياربنا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك عدد خلقك وزنة عرشك ومداد كلماتك.
نبضة.
اسأل الله ان يُصٍّبر كل من جائته في الدنيا مصيبة
فالصبر والثبات أعظم عطاء في الدنيا..!!
وأخيرا . باسمي وباسم ابني البار أنور إبراهيم أحمد وصاحبيه العزيزين محمد أحمد المزاح ومحمد يحيى المزاح وجميع أسرهم نرفع أسمى إياة الشكر العظيم والتقدير الوفي والعرفان السخي لكل من تعاون معنا أثناء الحادث من الجهات الأمنية في بلادي العظيمة سواءا من المرور والشرطة والدفاع المدني والهلال الأحمر والكادر الطبي العظيم والمواطنين المتطوعين في الدعم ولكل من زار وسأل من قريب أو بعيد أو اتصل أو أرسل اودعا اوتعاطف مع مصابنا لا أراكم الله مكروه في عزيز عليكم .
عسير صحيفة عسير الإلكترونية