بقلم/خالد بن محمد الأنصاري
لقد أوقف شيخنا معالي الشيخ العلامة صالح بن عبدالله بن حميد – المستشار في الديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء وإمام وخطيب المسجد الحرام – حفظه الله تعالى مؤخرًا مكتبته الخاصة على الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لتكون كنزًا يلتقط لآلئه طلاب هذه الجامعة من شتى الجنسيات؛ وليعم نفعها .
ويعد وقف الكتب والمكتبات من ضروب الوقف العلمي الذي يمتد نفعه ويبقى أثره.
وتوجد العديد من المكتبات العلمية الخاصة عند بعض طلبة العلم وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، فهل فكروا في أن يوقفوها ليبقى لهم أجرها..!
إن الكتب من كرائم الأموال بل ومن أنفسها عند العلماء ؛ وما قام به شيخنا الكريم معالي الشيخ صالح بن حميد من وقفه لمكتبته الخاصة على طلاب العلم بالجامعة الإسلامية لهو رسالة لجميع العلماء والمعلمين من أصحاب المكتبات الخاصة؛ ليقوموا بهذا العمل الجليل والذي سيبقى أثره لموقفها كما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”.
وشيخنا صاحب أفق وبعد نظر حيث قام بوقف مكتبته الخاصة في حياته وأشرف على ذلك بنفسه ولم يجعلها وصية مؤجلة كما هو المعتاد عند أغلب أهل العلم .
وأذكر هنا نص (كتاب الوقفية) لهذه المكتبة العلمية والذي يظهر فيه بلاغة شيخنا وحسن خطه وجماله لمن اطلع على أصله .
((بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان أما بعد: فإن الكتاب مجمع المعارف ، ووعاء العلم ، يقرأ في كل مكان ، وموجود في كل زمان ، ويظهر مافيه على كل لسان ، مع تفاوت الأزمان ، وتباعد البلدان ، به يشاهد ما غاب ، ويدرك ما بَعُد ، يموت العالم وتبقى كتبه ، ويفنى العقل ويبقى أثره.
هو الآثر في النفس ، والأشرح للصدر ، والأزكى للقلب ، والأبسط للسان ، بليغ العبارة ، لطيف الإشارة ، كثير الفائدة ، قليل المؤونة ، محدِّث لا يَمّلُّ ولا يُمَلُّ ، وجليس لا يتحفظ ، يُحيي ما أماته الحفظ ، ويجدَّد ما أخلقه الدهر ، معدود في مصاف الأبناء ، وأخلص الجلساء ، وأحب الأصدقاء .
من أجل هذا كله كان للكتاب حظه من الحفظ ، ونصيبه من الصيانة ، تنفق في سبيل تحصيله وحفظه نفيس الأموال ، ويوصى به الثقات ، ويتولى رعايته الأثبات ، وبهذه العناية تعم فائدته ، ويصل إلى من يعرف قدرَه ، ومن ينزله منزلته.
الكتاب جامع لما جاء في الحديث الصحيح:(إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث:صدقة جارية ، وعلم ينتفع به بعده ، وولد صالح يدعو له).
ففي الكتاب:الصدقة ، والعلم ، والدعاء.
ومن أجل هذه الصفات والمحامد ، وتأسيًا بمن سبق من أهل العلم والفضل فإنني أنا العبد الفقير:صالح بن عبدالله بن محمد بن حميد نظرت فيما يحفظ كتبي التي جمعتها طول عمري على امتداد ستين عاماً:كتاباً كتاباً ، ومصنفاً مصنفاً فوفق الله بمنه وكرمه فتوجه العزم لأسعد بوقف مكتبتي على الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية المنورة ، وهو وقف منجز على هذه الجامعة المباركة ، دار العلم والإيمان ، والتي لا تغيب عنها الشمس ، ذات التاريخ الثري ، والحاضر الزاهر ، والمستقبل المشرق بإذن الله تعالى في نشر العلم بين أبناء المسلمين.
فهي المكان المكين والأيدي الأمينة.
أسأل الله بمنه وكرمه وفضله وإحسانه أن يتقبل مني ومن المسلمين أجمعين ، وأن يجعلها من الأثر الباقي ، والعلم النافع ، وأن تكون سبباً في الحصول على الدعوات الصالحات الطيبات من كل مستفيد منها ، أو ناظر فيها ، أو عالم بها ، أو سامع عنها ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إنه سميع مجيب.
وكتبه الموقف الفقير المقر المعترف
بذنبه المحتاج إلى عفو ربه
صالح بن عبدالله بن محمد بن حميد
لطف الله به وغفر له ولوالديه
يوم الاثنين:السادس عشر من شهر صفر من عام أربع وأربعين وأربعمائة وألف من هجرة سيد البرية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
المدينة النبوية المنورة
١٤٤٤/٢/١٦)).
وقد ألقى شيخنا معالي الشيخ صالح بن حميد حفظه الله تعالى كلمة مؤثرة عن علاقته بكتبه ومكتبته وأنها أثيرة لديه ومن المواقف المؤثرة منها أنه قال:( رآني أخي عبدالرحمن فرأى الدواليب خالية والكتب حفظت في الكراتين ؛ لماذا فعلت هذا؟ فقلت له يا أخي : ” الإنسان حين يعزم على الرحيل فإنه يبدأ في جمع أثاثه ومتاعه”).
كتب الله لشيخنا الأجر والثواب على ماقام به من وقفه لمكتبته على طلاب العلم بالجامعة الإسلامية وجعلها رافدًا من روافد العلم والمعرفة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*عضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية.
أسأل الله أن يتقبل منه ومن المسلمين أجمعين ، وأن يجعلها من الأثر الباقي ، والعلم النافع ، وأن تكون سبباً له في الحصول على الدعوات الصالحات الطيبات من كل مستفيد منها ، أو ناظر فيها أو عالم بها أو سامع عنها 🤲🏻