عسير صحيفة عسير الإلكترونية
د. مرعي بن محـمد آل عريعر
لا نهضة لأمة تُدير ظهرها للمعلم، ومَن يرجع إلى التاريخ في أطواره البعيدة يُدرك أنَّ مشروعات التَّحضُّر الكبرى نَهَضَت على رؤية تهتم بالتعليم، ونظَرَت إليه بوصفه حجَر الزاوية في مشروعها السَّاعي إلى التطور الرامي إلى التحديث.
وفي هذا السياق كانت زيارة كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز أمير منطقة عسير تَشرَّفت بها محافظة ظهران الجنوب في يوم الخميس الموافق12/4/1444هـ، التي احتضنت لقاءً عنوانه: التعليم والصناعة القيمية رؤية وطنية استراتيجية، حيث كان اللقاء في كلية الآداب تحديدًا، وهو ما يحمل دلالة بالغة الأهمية على التحام التعليم بالنهضة، وحضوره عنصرًا فاعلاً في كل مشروعاتها.
ولعل القارئ يلمح عددًا من الدلالات التي تبوح بها عتبة العنوان، فنحن إزاء منظومة تسعى إلى صناعة القيم، وهي أسمى ضروب الصناعة، التي تُستثمر لصالح الوطن في الجانب الأرقى من البشر، ومن ثم هو استثمار أخلاقي ينأى عن حسابات الربح والخسارة، ويسعى إلى حداثة العقل والروح، قبل أن يسعى في تحديث الملبس والبنيان.
وقد تحدَّث صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال في هذا السياق حديثًا يدل على ما توليه القيادة الرشيدة من اهتمام بالغ بالتعليم، ودوره في صناعة القيم، وما يؤديه من دور في تطوير المهارات، وخلق القدوات، وتغيير القناعات، ومن ثم تحقق الإنجازات
وهي أعمدة تتأسس عليها منظومة صناعة القيم، في بُعْدَيْها النظري والواقعي.
وما شأن الأمير في ذلك إلاَّ شأن المليك و ولي عهده، فهو يُعبِّر عن توجيهات حكومة تضع الإنسان نصب عينها، وتجعل صالح الوطن أهم أولوياتها، ومن يتأمَّل حجم الجهود المبذولة في سياق تطوير التعليم، وتحسين منتجه الثري يدرك تمامًا ما نحن مقبلين عليه في ظل هذه القيادة، التي لا تهتم بشيء اهتمامها بالمواطن وصالح الوطن.
لكنَّ ملمحًا شخصيًا لدى تركي بن طلال يستوقف المتأمل، ألا وهو انسجامه الواضح مع المنظومة السياسية في البلاد بكل مفرداتها، فهو متمثل بارع بسيرة المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، وقد استمدَّ منها حديثًا عن بدايات التفكير في إنشاء أول وزارة للمعارف، وحديثه المثير عن (محمد الدبَّاغ)، وما صاحب ذلك من حصافة الرأي، و واقعية المنهج، وهو في الوقت ذاته متحدث بارع، يستوعب كل الأطراف، ويبث رسائل متعددة المضامين إلى كل المستويات، فخطابه ذرائعيٌ بالدرجة الأولى، إذ تناغم من توجيهات القيادة، واستوعب كل الحاضرين، ونجح نجاحًا مبهرًا في تحقيق المقاصد.
