رمضان وشيء من الذاكرة مع الشيخ الحواشي والندوات الخميسية   

بقلم / أ.محمد فايع

مع دخول شهر رمضان لهذا العام 1444هـ أستعدتُ يوم ذكرى أليمة .. ذكرى يوم السبت 16- 5-1444هـ الموافق 1—12-2022م عندما تلقيت خبرا آلمني كثيرا ،وأدخلني في حالة حزن كبير ،افقدني تركيزي لدقائق ،عندما قال صاحب الرسالة لي ( أحسن الله عزاءنا في الشيخ أحمد بن محمد الحواشي – رحمه الله – إمام وخطيب الجامع الكبير بخميس مشيط ) فعادت بي الذاكرة لتذكر إمامته بالجامع الكبير لفترة تكاد تقترب من الأربعة عقود ، وعادت لي شيء من ملامح رمضان مع الشيخ الحواشي ،عندما كان يصطف خلفه مئات المصلين وكأن صوت تلاوته لم يفارقنا وهو يملأ جنبات المسجد وماجاوره ،مما جعلني استغرق للحظات سريعة في عملية استرجاع شيء من تفاصيل معرفتي بالراحل رغم فارق السن بيني وبينه رحمه الله ،وأنا أحاول أن استعيد بعضا من توازني ،لأستعيد شيئا مما أعرفه عن الراحل ،فاقتربت من ( مقلمتي ) والتقطت ورقة من بين الأوراق ،وشرعت ألملم فصولا لاحت في مخيلتي عن أيام وسنوات عشتها معه ،لعلها تطرح (آلاما من الوجع أحسست بها على فراق) هذا العابد الزاهد ،كما عرفناه جميعا .

 

إلا إني قلت لنفسي من أين لي أن أبدأ في الكتابة عن الشيخ (أحمد الحواشي) رحمه الله ،فهل أكتب شيئا عما عرفته عنه في صباه ،لأننا نشأنا في حي واحد وفي مدينة واحدة ،وكنا نلتقي في مسجد واحد وهو ( جامع الخميس الكبير ) حيث هناك عرفته ،أم أكتب عن زياراتي له وهو في ( دكان والده ) في عمارة ( محمد أبو ملحة – أصداف مول حاليا ) شرق الجامع ،إذ كنت أمرّ عليه ،وأراه يقرأ في الكتيبات الدينية ،والجميع عرفه شابا مستقيما ،نشأ في طاعة الله وملازما للصلوات في الجامع خلف الإمام مباشرة ،ومازلت أتذكر (سجادته) التي كان يعيد ترتيبها عند كل فريضة ،وكان أحد المداومين على دروس الشيوخ آنذاك ( محمد بن شائع ،سليمان بن فايع وسعيد بن مسفر ) وقد تتلمذوا في مجال الدعوة على يد الشيخ عبدالله الوابل بابها ،وكانت ندواتهم الدينية ،تعقد عقب مغرب كل يوم خميس في الجامع الكبير ،وكان يقدم دروس هذا المساء الخميسي أحيانا (الشيخ عبدالقادر البيحاني) وهو علامة كبير ،وكان يحضرها جمع كبير ،أتذكر كان من بين حضورها ،جيران المسجد منهم الأفاضل ( عبدالله بن برقان ،محمد أبو داهش ،علي بن خزام ،سعيد بن مسلط وسعيد بن علي بن مشيط ،عبدالعزيز بن محمد بن مشيط محمد بن مغدي ،محمد بن عظيمان وعدد من طلبة العلم ،وقد كان الشيخ الحواشي يقوم (بتسجيل الندوات )هو وأخرون بواسطة ( المسجلات القديمة ) على أشرطة (الكاسيت) كنت أنا أحدهم ،رغم صغر سني آنذاك ،لقد ألفنا سماع صوت الشيخ الحواشي وهو يقرأ القرآن الكريم في الصلوات ،وكثيرا ما كان يقوم بدور (المؤذن) في بداياته ،عندما كان مؤذن الجامع الكبير (العم مشبب بن عواض) رحمه الله يغيب ،الذي عندما كبر سنه انتقل مؤذنا في ( مسجد النملة ) المجاور لمنزله في أعلى حي الدرب الجديد .

 

كان الشيخ الحواشي يصلي بالناس ،قبل أن يعين رسميا لإمام المصلين بالجامع ،خاصة عندما يغيب فضيلة الشيخ القاضي الفقيه (سعيد بن عياش ) رحمه الله ،إمام وخطيب الجامع الرسمي ،وهو قاضي التمييز ورئيس محاكم خميس مشيط ،الذي انتقل فيما بعد إلى (محافظة الطائف) وفيها توفي في أواخر شهر صفر 1444هـ ،وكان قد تولى الشيخ أحمد الحواشي إمامة المصلين بجامع الخميس ،وتحديدا كما أتذكر بداية بعام 1396هـ إلى أن تم الانتقال مع أفراد أسرته إلى مكة المكرمة ،في ربيع الأول عام 1439هـ ،وأتذكر أن الشيخ (أحمد الأحمري )أحد القضاة بمحكمة خميس مشيط،كان ممن يؤم المصلين في غياب الشيخ سعيد بن عياش عند غيابه.

 

لقد عُرف عن الشيخ أحمد الحواشي الكثير من السمات والخصال التي جعلته يتربع على قلوب كثير من الناس من محبيه ومريديه ،ومن ذلك حبه للصلاة التي جعلت الكثيرين يأتون إلى الجامع من أجل الصلاة خلفه ،وبخاصة في شهر رمضان ،فقد عرف أنه كان ( ينهي ختم القرآن) في بضعة ليال قد لا تزيد عن أربعة ليال ،وكان المشهد المألوف في رمضان صفوف الجامع التي كانت تمتلئ بالمصلين ،حتى يفيض الجامع بالمصلين ثم ترى الشوارع المحيطة به ،وقد امتلأت بهم ،كان الشيخ الحواشي ،يحظى بصوت جميل عند التلاوة ،علاوة على هذا كانت له الكثير من المشاركات المنبرية من الخطب والمحاضرات التي كان يلقيها في الجامع عقب صلاة المغرب وأحيانا عقب صلاة العشاء ودروس عقب صلاة الفجر لمدارسة القرآن الكريم .

 

لقد عرفناه منذ نشأته حتى مماته أنه (عنوان لمدرسة الاستقامة) وفيه سمت العلماء وكان مدرسة في حديثه وفي علمه وفي غزارة طروحاته واستدلالاته ، وفي كثرة ترديده لأذكاره ،وعرف بشدة غيرته على دينه ووطنه ومجتمعه ،ولم تكن لتُرى ( سبابته ) مقبوضة ،لكثرة التزامه بالأذكار من تسبيح وتهليل وتكبير واستغفار ، لقد كان صواما قواما كما ذكر المقربون منه ، يختم القرآن الكريم خلال أيام ،حتى ذكر كل من كان يشاهده في الحرم المكي ،أنه لم يُر إلا واقفا يصلي ،أو تاليا للقرآن الكريم ،إذ كان يبقى بالمسجد الحرام من صلاة الفجر حتى الساعات الأولى من الليل .

لقد كان الشيخ أحمد صاحب سيرة صافية نقية ،جعلت الكثير يجمعون على محبته وتقديره وإجلاله من الكبار والصغار من الرجال والنساء ، وقد ظهر ذلك جليا في كثرة جموع المعزين والمشيعين لجنازته عقب الصلاة عليه عصر الأحد في المسجد الحرام

لقد كانت وفاة الشيخ فاجعة للمجتمع الجنوبي بشكل خاص ،والمجتمع الكبير بشكل عام ،الذين عرفوا الشيخ أو سمعوا عنه ،ولعل سبب وجعنا على رحيله ،أنه لم يعد بإمكاننا رؤية ذلك الشيخ الوقور الفريد في عبادته في هذا الزمن وفي التزامه ،وفي زهده وورعه ،وأنه لم يعد هناك فرصة للاستماع لتلاوته مباشرة منه وسماع صوته ،وهو يؤم المصلين ويعيد تكرار آيات الثواب والعقاب ، رحم الله الشيخ الحواشي

شاهد أيضاً

“لا تلوح للمسافر”

بقلم رئيس تحرير صحيفة عسير الألكترونية / أ.يحيى احمد ال مشافي إن القلب ليحزن والعين …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com