يا سياح عسير سيحوا

بقلم/ الدكتور صالح الحمادي

تذكرت وانا متجه مع رفاق الدرب نحو بلاد بني عمر مرورا بتنومة والنماص السياح الذين يتجهون لمصايفنا صيف كل عام، وتذكرت فوارق الفكر والجهد والهدف للبلدانيين.

فالسياح هم ضيوف عسير ويسكبون في أوردة صيف أبها ومحافظات المنطقة سنويا شلالات الفرح ويكتبون نوتة بهجة الحياة بتوزيع موسيقي ذاتي، أما البلدانيون الذين حددوا الهدف، ورسموا مضمون أسفارهم وترحالهم فمنهم العبر وفوائد الفكر .

سياح عسير أمام خيارات متعددة شريطة توفر الفكر السياحي الثقافي عند قائد الأسرة بحيث يتجه بهم للأرياف وينسون الجوال والواتس آب والتلفزيون برهة من الزمن يشمون فيها الهواء العليل ويكحلون عيونهم بالمناظر الخلابة ويستمتعون بزحمة الأمن والرفاهية والحياة الكريمة.

توارد الخواطر التي تولدت عندي خلال مرافقتي لمجموعة فيها الجود والأدب والتواضع والصدق ونقاء السريرة ولن أزيد، هذه الخواطر ربطت بين هذه الجولة المفتوحة وسبقها عدة جولات مع رفاق الدرب في ربوع الوطن الجميل بأرضه وإنسانه وسماءه، وتساءلت عن الفارق بين جولاتنا التي يغلب عليها الترفيه والحياة السرمدية وبين البلدانيين الذي نحتوا رحلاتهم في صخر الحياة ليكتبوا للأجيال المقبلة أدب الرحلات بلغة أسرة وممتعة رغم مشقة السفر الحقيقية والخوف من قطاع الطرق وقلة ذات اليد، هنا في هذه الجولة كانت الأفكار وليدة اللحظات، وعادت بي الخواطر إلى القرن الرابع الهجري الذي شهد ظهور أشهر” البلدانيون” الذين زاروا نصف الكرة الأرضية وتنقلوا في أرجاء الجزيرة العربية وكتبوا مشاهداتهم وانطباعاتهم بدقة عالية.

من أبرز البلدانيين الذين قرأت كتبهم واستمتعت بأدبهم ابن الحائك الهمداني،(ت: ٣٣٤هـ)، والاصطخري (ت: ٣٣٦ﻫ)، وابن الفقيه الهمذاني، (ت:340ه)، والمسعودي، (ت: 346هـ)، وابن حوقل البغدادي، (ت: 367ه)،والمقدسي(ت: 380ه)، ولم يظهر في الساحة الإسلامية في القرن الخامس الهجري من يوازيهم إلا ناصر خسروا (ت:481ه)، وفي القرن السادس ظهر ابن جبير (ت: 604هـ ) وأشهرهم ابن بطوطة،(ت: 779ه) الذي استمر في رحلته حوالي ثلاثين عاما وقد رسم هؤلاء البلدانيون في ذهني سؤال تتشعب منه عدة أسئلة عن ما يقوم به سياح هذه الأيام من صرف للوقت وبعثرة الحياة بدون هدف وبدون التفكير بعمق في أهداف السياحة في الأرض، ومفهوم التنقل في هذه الحياة المترعة بالوسائط المتعددة التي تسهل الرصد والتوثيق.

يا سياح عسير سيحوا في محافظات المنطقة تشوفون جمال الطبيعة وروعة المكان والإنسان، جربوا التنقل في أرجا محافظات عسير بعيد عن تقليدية الملاهي والتسوق التي تستنزف الوقت والمال ولا تقدم المتعة الحقيقية.

يا سياح عسير الذين بدأتم التوافد على مصايف ابها غيروا أساليب السياحة وتذكروا البلدانيون الذين تعبوا ليقدموا للإنسانية علم ينتفع به بعد أكثر من ألف سنة ولا زال المؤرخون والجغرافيون يستفيدون من مشاهداتهم وانطباعاتهم.

يا سياح عسير وثقوا رحلاتكم بطرق احترافية كل صورة بتاريخها والأسماء والمكان والمناسبة ثم أضيفوا معلومات بسيطة عن الموقع فيصبح ذلك علم ينتفع به حتى وإن قل…. وان تعذر توثيق الرحلة بالتاريخ والأسماء فعلى الأقل تفكروا في ملكوت الله وشاهدوا الطبيعة بعيون التفكر فالتفكر أفضل أنواع العبادة.

استطيع القول أن القصمان أكثر قدرة على تغيير مفهوم السياحة الداخلية لقيامهم برحلات أسرية جماعية وقيام المجموعات برحلات عبر سيارات مجهزة بكل وسائل الراحة والاستمتاع بالأرياف لذا ادعوهم لمحطات ممرنا بها لأول مرة فقد يثرون الفكر السياحي بنمط مختلف في الجودة والهدف، “حظ من له في القصمان ابن عم”.

تعالوا لبلاد بللسمر وتنومة والنماص وبلاد بني عمر وبلاد بلقرن ففيها مناطق تنزه تغريكم وتبعدكم عن ضوضاء وتلوث المدن، تعالوا للبشائر وباشوت ومنتزه الملك خالد وآل العلا وجبل حرفة وآل مجمل، تعالوا لسد نبا ومومه وسبت العلايه ولا تنسون منتزه “الباردة” المطل على مدينة باشوت الحالمة، وعيشوا أحلى اللحظات في منتزه الحيفة بتنومة ففيه كل الجماليات ولا تنسون المبيت حول جبل “حرفة” فقد تعودون لدياركم شعراء.

بقي الإشارة إلى تنافس بلديات المدن والمحافظات التي مررنا بها في تقديم الخدمات وتهيئة المتنزهات فلهم جهود تذكر فتشكر، وإن كان هناك هنات لا أريد تشويه المقال بها يستطيع الجالي أمين عسير معرفتها عن طريق جولاته الميداني أو عن طريق أمير رحلتنا فلديه الخبر اليقين.

ركزة

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ

موقع منتزه الحيفة

https://www.google.com/maps?q=18.8849086761475,4

2.1636047363281

شاهد أيضاً

إن خانتك قواك ما خانك ربك ولا خانك ظناك

بقلم: ابراهيم العسكري تعرضت قبل فترة لعارض صحي اعياني من الحركة وارقني من النوم واثقل …

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته دكتور صالح لقد أضفت الجمال علي جمال وروعة المكان وكرم الرجال وعلي شيم وقمم جبال منطقة عسير وبصحبة الأحباب الكثير من جماليات روحك الرياضيه الشيقه وروحك المرحه وان شاء الله ان تتكر هذه الرحله الجميله في ربوع بلادنا الغالية برفقة الأحباب

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com