المعلم والكرسي الخشبي

ماجد الوبيرانفي أول سنة من عملي في ميدان التربية والتعليم كنت مهتمّاً بمطالعة كل عدد من أعداد مجلة المعرفة التي كانت تصدر من وزارة المعارف في ذلك الوقت طالبًا المعرفة ، والإفادة من التجربة ، وأثناء مطالعتي ذات مرة وقعت عيني على صورة لشاب يقف عند الغروب في مياه شاطئ البحر وقد غطت المياه ساقيه إلى منتصفهما وقد عُنونت تلك الصورة بسؤال ، هو ” متى تشرق شمس المعلم ؟ ” ، فما كان مني إلا أن قمت بقصها ، وجعلها داخل إطار ؛ لأعلقها فيما بعد في مجلس منزلي منذ عشرين عامًا !!

أكتب هذا الكلام بعد أن شاهدت في أحد الفصول الدراسية كرسيّاً خشبيّاً مهترئًا خُصص للمعلم ؛ ليجلس عليه ؛حين يرغب في أخذ قسط من الراحة ، أو حين القيام بعملية تصحيح كراسات الطلاب وكتبهم !!
فرحتُ أتأمل حالي ، وحاله حول أهمية كل مِنَّا ، وقد عرفت أنني سأصطدم بآراء تربوية متعددة متباينة كما هي عادة كثير من التربويين الذين يبحرون في آرائهم هنا وهناك دون أن يتجهوا إلى الحقيقة مباشرة ، فمن قائل : بأن المعلم جدير بالاحترام ، ومن حقه علينا تخصيص كرسي جديد مريح يليق بمكانته ، لكن صوتًا مخالفًا ذكر بأن المعلم ما جاء إلى المدرسة ؛ ليستريح ، بل هو مطالب بتنفيذ الدروس من خلال الشرح ، والمناقشة ، ومتابعة الطلاب ، وإدارة الصف !!
وصوت بالغ في المثالية فذكر أنه يجب أن لا نبالغ في النقاش فلا العبرة في الكرسي القديم في ظل وجود المعلم المتميز ، ولا بوجود كرسي جديد جميل مريح مع معلم متهاون لا يؤدي عمله على الوجه المطلوب !!
وصوت لازم الحياد السلبي فذكر أن الناس في العالم قد ذهبوا إلى الفضاء ، وناقشوا الذَّرة ، وابتكروا كل جديد باهر في عالم التقنية ، ونحن لا زلنا نناقش موضوع كرسي في فصل من آلاف الفصول في مدارسنا !!
والكل ظل متمسكًا برأيه المدعوم بالنظرية والفكرة التي يتبناها ؛ ليظل الكرسي على حالته السيئة في انتظار تحطمه ، أو استبداله بأحد الكراسي الزائدة في حجرة الصف ، وليظل المعلم يُقنع نفسه بالغد الأفضل الذي ستشرق فيه شمس المعلم ، لكنه لن ينسى لحظاته ، وذكرياته الجميلة مع ذلك الكرسي القديم الذي ظل صابرًا ، ومقاومًا في عصر التشتت بين النظريات ، والأفكار ، مع أن تغييره إلى الأفضل لا يحتاج إلى كثير من الكلام ، الكلام الذي يكثر في وقت غابت فيه الأفعال كما غابت الشمس ، وتلاشت خلف الأفق البعيد !

ماجد الوبيران

>

شاهد أيضاً

أسرة ال دليم مدرسة في الحكمة والحنكة

  بقلم أ/ خالد بن حريش ال جربوع في ليلة جمعت بين الحكمة والحنكة وبين …

18 تعليقات

  1. لا يهم ان يجلس المعلم الذي سينتج لنا جيلاً قوياً معرفياً ، وجيلاً يقود حضارة تتقدم الأمم على كرسي مذهّب أو مهترئ فكلاهما سيّان ..

    الكراسي المذهبه يجب ان تتواجد في أمور أهم ، ومؤسسات أفضل
    مجلس الشورى مثلاً .. لتتم مناقشة مسألة انقراض شجر الأراك وغيرها من هذه الأمور المهمة !

    ربما أتفق – نسبياً – مع الرأي البالغ في المثالية ، وأبالغ في المثالية ..

    فالسرج المذهّب لا يصنع من الحمار حصاناً !

  2. كل ذالك يهون عندما يقابل المعلم بعد حين من يناديه يا أستاذ فلان ويقبل رأسه ويقول أنا أحد طلبتك أي خدمة أقدمها لك ؟
    منهم الطبيب والمدرس والطيار والتاجر والقاضي والمحامي ورجل الأمن والعسكري ووووووو وموظف في الخطوط الجوية …….. ذكرت هذا المثال الذي حصل لأحد الأصدقاء ( معلم ) وأنت تعرفه.
    عندها سيهون كل شئ ……….. وجهة نظر،،

  3. عبدالله فهد

    ويبقى المعلم على كر العصور ومر الدهور حجر الزاوية في نجاح العملية التعليمية ، مهما كثرت التحديات أمامه ، شكرا لك أبا محمد على هذا الإبداع .

  4. محمد آل مفلح

    طرح رائع يا أبا محمد وأتمنى أن تعود مكانة المعلم وهيبته في زمن سحبت منه كل شيء كما سحب الكرسي الخشبي…

  5. د. مشرف علي العمري

    تحياتي لك يا ابا محمد مقال أكثر من رائع ومن وجهة نظري أنه يجب على الجميع تقدير المعلم واحترامه سواء من قِبل الوزارة او الطلاب أو أولياء الأمور وما اجمل تطبيق القاعات المدرسية بحيث يكون لكل معلم قاعة يتواجد بها مكتب خاص به يليق بمستوى المعلم

  6. احمد ال حازب

    مقال راءع يحكي واقع المعلم .وفقك الله وسددك

  7. شكرا لك أبا محمد على مانجده منك دايما مبدع وتبدع من يقرأ مقالاتك التي دايما تحكي لنا الواقع في الوقت والزمان والمكان فلمعلم أصبح كل شي ضده من كل النواحي ولاكن المعلم يبقى وسوفى يبقى يودي رسالته الساميه

  8. أبومحمد الأسمري

    أحسنت يا أبا محمد ولكن بإذن الله ستشرق شمس المعلم وكلنا أمل أن يعرف المجتمع قدر هذا الجندي المجهول الذي طالما تطاولت عليه يد المجتمع والإعلام ووووووو
    فلنطرد الهم وننظر لغد مشرق متجدد محتسبين بذلك الأجر من الله في آداء هذه الرسالة السامية كما لا ننس الدعاء لإخواننا رجال الأمن المرابطين على حدود هذا الوطن ونسأل الله أن يسدد رميهم وأن ينصرهم على عدو الإسلام والمسلمين .

  9. خالدالشهري ابوريان ..

    المعلم شمس العلم والعلوم والمعرفة.. المعلم له واجب ورسالة يوديها لثمرة المستقبل الجيل الصاعد والواعد ..المعلم له دور مهم جدا في بناء المجتمع باخلاقه وافعاله واعماله .. المعلم افضل مايقوم به هو تربية صالحة ناصحة لاولادنا . لابد ان يفتخر المجتمع بهذا المعلم وكيف صبره وتحمله وتنقله من مكان الى مكان لاعطاء هولاء الابناء العلوم والمعلوم . شمس المعلم مشرقة بعلمه واخلاصة ومثابرته وياليت ان تستمر ..
    وفقك الله اخي المعلم الفاضل واستاذي القدير ماجد . oooo

  10. مقال رائع

    يحكي واقع التعليم .

    ونجد الكثير ممن ينتقدون المعلم ويتكلمون بالمثاليات وبعض مدارسنا مازالت مغيبه عن التطور .

    لكل الله ايها المعلم

  11. المهندس/علي فرحان ابو ثامر

    اشكرك من اعماق قلبي ابا محمد على هذه المقاله التي لامست شمس المغيب للمعلم لعلها تشرق من جديد كلام جميل وفي غاية الاهميه نعم اني اوافقك الراي فالاشياء التي تعتبر غير مهمه وصغيره في نظر البعض تشكل بعد نفسي ينعكس على العطاء والاداء فالكرسي الذي يتهاون فيه البعض يعتبر شي من الشكر للمعلم الذي اصبح كل شي يصب ضده …وحتى من ابسط حقوقه حرم …فمتى تشرق شمس المعلم

  12. أحمد آل عبدالمتعالي

    مقال جميل ومميز من اخ مخلص ومتفاني في عمله.

    ولكن ما احزنني هو حال المعلم في الوقت الحالي ونظرة المجتمع اليه من عدم الاحترام والتقدير والمكانة الاجتماعية.

  13. شكرآ على طرحك الجميل
    و ستظل قضية الكرسي في عالمنا العربي قائمة إلى أن يشاء الله
    تفنى شعوب من أجل كرسي..فكيف بمعلم بائس تكالبت عليه القرارات والتعاميم.
    استاذنا الكريم ابدعت في بث الطاقة الايجابية بداخلنا

  14. حسن الجابري

    بيض الله وجهك يا أستاذ ماجد

    فأنت رائع وكل ماكتبته رائع

    لك منا كل التقدير والاحترام

  15. يوسف آل حازب

    المعلم هو قائد العملية التعليمية في فصله . ولذا فهو بما يمتلكه من تخطيط مسبق لكل درس يقوم بشرحه قادر على توزيع وقت الحصة بما يناسب كل جزء من ذلك الدرس . ولذا فليس من المعقول أن يبقى طوال الحصة واقفا على قدميه . فهو قبل كل شيئ إنسان يعرض عليه التعب والاجهاد . ولعل المتفحص للمناهج المطورة أصبحت تراعي مثل هذا الأمر وأصبح التركيز الأول في شرح الدرس على جهد الطالب . وغدى دور المعلم هو توجيه العملية التعلمية .
    إن مرحلة التلقي المجرد من قبل الطالب باتت من الماضي . ومن هنا أصبح التعليم تفاعلي نشط ، ولكن لايعني أن تكون الحصة من بدايتها إلى نهايتها تسير وفق منوال واحد بل يجب على المعلم تنويع طرائق التدريس .
    المعلم مؤتمن على عقول أمة فليتقِ الله فيهم . وليعلم أنه بقدر أجر تعليمهم من عند الله فأنه سيحمل وزر تقاعسهم في ذلك .
    وليتذكر كل واحد قوله تعالى ( وقفوهم إنهم مسؤولون ).

  16. عبدالله ال نملان

    من واقع معايشة وتجربة في الميدان
    سيفنى المعلم ويأتي غيره
    والكرسي المهترئ سيبقى
    اذاً فليوصي المعلم خلفه من المعلمين ان يحسنوا للكرسي الموقر
    اشكرك استاذ ماجد وقد لاقت ذكرياتك وترها الحساس عند معلم ينتظر الكرسي الدوار اللي بقراطيسه

  17. ياسر آل مداوي

    كان الله معكم
    المعلم الآن بحاجة إلى اهتمام أكثر
    ولولا الله ثم الأستاذ ماجد لما كنت كما أنا الآن ..

  18. بيض الله وجهك يا محمد مقالة تستحق القراءة وخاصه ان المعلم في هذا الزمن اصبح يعاني الاعباء الثقيله

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com