بقلم/ حسن بن مانع آل عمير
المجتمعات المتميزة تحرص على توثيق عاداتها وتقاليدها وتحافظ عليها وتكتبها وتنشرها وتحرص على أن يكتسب الأجيال تلك العادات وأن يستمروا على تطبيقها وتفعيلها وتناقلها عبر الزمن.
المراقب للعادات الأصيلة في منطقة عسير يجد أنها أساليب حياة راقية ومميزة تهدف إلى إسعاد الجميع وتسيير الحياة بالطريقة المتلائمة والموافقة للمنهج الإسلامي العظيم.
سأقدم في هذا المقال المختصر عادة استقبال الضيوف في منطقة عسير وكيف يتم إدارة المجلس منذ وصول الضيوف وحتى مغادرتهم.
يفرح الجميع ويفتخر بمجالس منطقة عسير المعروفة بالكرم والشهامة والأصالة واستقبال الضيوف واحترامهم وتقديرهم. الترحيب بالضيوف واستقبالهم يتم وفق بروتوكولات ومعايير مميزة وأساليب تدل على محبة الضيوف والحرص على تقديم كل ما يسعدهم وكل ما يجعل تلك الضيافة والمناسبة ذكرى جميلة لا تنسى.
يقف صف الرجال من أقارب وجماعة المضيف بانتظار صف الضيوف الذي يتقدم فيه أفراد ذلك الصف ثم يتوقفون على مسافة ١٠ أمتار عن صف المضيف وجماعته ثم يتقدم بعدها شيخ أو نائب القبيلة أو أحد كبار السن في حالة عدم تواجد الشيخ أو النائب ثم يرفع صوته بالترحيب قائلا ( أرحبو يا ضيفان الله يحييكم ) ليتبعه جميع الواقفين في الصف بالترحيب بصوت واحد وبنفس العبارة التي قالها، يرد عليهم صف الضيوف بصوت واحد ( أسلموا والسلام عليكم ) ويعقبها عبارات التحية من الطرفين ثم يتقدم شيخ أو نائب تلك القبيلة ليقدم العلم وهو عبارة عن خطاب حماسي وبصوت مسموع يُظهر فيه سبب مجيء ذلك الصف ويختم حديثه بمفردة ( وسلامتكم ) ثم يتقدم المضيف وجماعته للسلام على صف الضيوف وبعدها يتم دعوتهم للمجلس الذي يتم فيه استقبالهم وتُقدم لهم القهوة السعودية والتمر وأطيب أنواع العود. يتجاذب الجميع أطراف الحديث بطريقة تلقائية جميلة وأحاديث متوافقة مع المكان والزمان. يحرص كل المتواجدين في ذلك المجلس على عدم المساس بالدين أو الأعراض أو الخوض في أحاديث سيئة لا تليق.
المواضيع تكون إما قصص سابقة فيها حكمة وتجارب تستحق الحديث عنها أو قصائد شعرية أو الحديث عن سير الأبطال في التاريخ الإسلامي.
يقوم شيخ القبيلة أو النائب بالحديث المباشر للضيوف ويطلب منهم أن تقوم القبيلة باستضافتهم اليوم الثاني أو في الموعد الذي يتناسب معهم وهذا الطلب من باب احترام الضيوف وكذلك المضيف الذي دعاهم لمنزله.
في حالة موافقة الضيوف يحدد الموعد وتتم استضافتهم من كافة أفراد القبيلة وفي حالة اعتذارهم يختتم الشيخ أو نائب كلامه بعبارة ( أبشروا بالعوض ).
يتقدم المضيف وسط المجلس ليسلم على الجميع ثم يرحب بكل الحضور ويبدي سعادته بوجودهم ثم يقول عبارة ( قام حضكم ) أي تفضلوا على وجبة العشاء.
يقوم الضيوف أولاً ويتناولون وجبة الغداء أو العشاء ثم يقوم بعد ذلك جماعة المضيف. بعد ذلك يقدم لهم الشاي والقهوة في المجلس ويُختتم بعدها اللقاء بالعود والطيب حيث يقوم كبير الضيوف ويستأذن لنفسه وكل من معه ثم يغادرون والجميع يودعهم بكل حب وتقدير واحترام.
هذا نموذج مختصر لعادة من عادات منطقة عسير الخالدة والتي من الواجب علينا جميعا توثيقها وتقديمها للأجيال القادمة.