
بقلم/ عبدالمحسن محمد عسيري
يروى عن الشعبي أنه قال : كنت أُحَدّث عبدالملك بن مروان وهو يأكل ؛ فيحبس اللقمة، فقلت أجزها أصلحك الله (أي ابتلعها) فإن الحديث من وراء ذلك . فيقول : “والله لحديثك أحبّ إليّ منها “.
ما أجمل البلاغة و ما أعذب ألفاظها
البعض إذا تحدّث ، تتمنى لو أن كل جوارحك تسمعه ، وإن طال الحديث تتمنى أنه لا يوجز ولا يقف .
ومعلوم أن البلاغة تمتّع الأذهان و تسلب العقول و تأسرها … ولا أودّ أن أخوض في تلك التفاصيل ، ولكن أريد أن أوضّح مفهوم البلاغة في عصرنا الحاضر ( حسب رأيي ).
في عصرنا هذا : هل البلاغة هي قلّة اللفظ مع كثرة المعاني ؟!
أم حشو الكلام و الإكثار منه ( إطناب في الخطاب مع الصواب )؟
أم خير الكلام ما قلّ و دلّ ؟
في الحقيقة : لا يُستَحب حشو الكلام ، ولا انتقاء المفردات طلباً في نيل البلاغة ، بل يكفي أن تنطق بالحق و بصدق المشاعر ولطيف الإشارة وجمال الأسلوب .
فالقول على حسب همة القائل يقع ، والسيف بقدر عضد الضارب يقطع .
و أرى أن البليغ حقاً هو من يجعل الكلام على حسب فهم السامع ، و يسرد الألفاظ بما يناسب المعاني .
البليغ هو مَن يُقنع و يؤثر ، و يغيّر في التفكير و السلوك.
البليغ هو مَن يردّ بحجّة ، و يحاور بأدب و ينصت بهدوء
البليغ مَن يدعو بأخلاق و ينظر بابتسامة ، وينطق بوضوح .
البليغ هو صاحب القدوة في الفعل ، و السابق في التنفيذ ، و الناطق بالحركة .
باختصار (البليغ هو من يصنع الأثر ، وليس الذي يشنّف الأسماع )
وأما البلاغة : فهي التأثير في الذهن باستخدام السطوة في الكلمة و الجذب في الانتباه ، لتحقيق هدفاً يتمثل في السلوك .
البلاغة : هي سلسلة من المفردات التي تغوص في العقل الباطن ( بعناية وتسلسل ) بهدف تغيير المفاهيم و القناعات .
البلاغة : هي الأداة التي نستخدمها في برمجة ذهن المستمع لغرض إقناعه ( و قد تكون تلك الأداة: لفظاً منطوقاً أو كلمة مكتوبة أو مشهداً مرئياً …)
وباختصار ( البلاغة هي الإقناع ، وليست الإمتاع )
في عصرنا الحالي :
الكلمة لها أثرأكبر من القوة ، وللقلم دور أقوى من السيف .. و للإعلام تأثير أشد من (المنبر و المعلم و الوالدين …).
نحن في عصر الصورة ( ولها دورها في البلاغة ، وليس من العقل استغفالها) .
والصورة تغنيك عن ألف كلمة ، والمشهد التوضيحي يغنيك عن مائة شرح .
وأصبحنا نحتاج إلى البلاغة الرقمية بجانب البلاغة اللغوية
لهذا أردت أن أُعيد تعريف( البلاغة / والشخص البليغ ) ، لكي يستفيد من هذا المفهوم كُل مَن يريد أن يكون بليغاً في عصر التكنولوجيا ،ليساهم في خدمة دينه و أمّته
عسير صحيفة عسير الإلكترونية
(للإعلام تأثير أشد من (المنبر و المعلم و الوالدين …)