التنوع البيئي في السعودية يستدعي تاريخ الحيوانات النادرة: قراءة معرفية في تجربة فيلم “هورايزن”

بقلم: عيسى مفرح 

في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحديات بيئية متفاقمة، تسجّل المملكة العربية السعودية حضورًا لافتًا في مجال الوعي البيئي والتوثيق العلمي من خلال أعمال إبداعية ذات بعد معرفي وثقافي، يأتي في مقدّمتها الفيلم الوثائقي السعودي “هورايزن”، الذي لم يكن مجرد عمل بصري جمالي، بل وثيقة معرفية حيّة أعادت تقديم التنوع البيئي الهائل في السعودية بمنهجية علمية وسردية جديدة.

 

بيئة تتكلم: من التنوّع إلى الهوية

 

لطالما اعتقد البعض أن السعودية محاطة بصحراء صامتة وفضاء قاحل، لكن “هورايزن” هدم هذا التصور الضيق، ليكشف أن المملكة تمتلك أكثر من 15 نمطًا بيئيًا مختلفًا، تتوزع على الجبال، السواحل، الوديان، الصحارى، والمناطق الرطبة، وأن هذه النظم تحوي في جنباتها كائنات حية نادرة، بعضها مهدد بالانقراض، وبعضها الآخر يعود للظهور ضمن برامج حماية بيئية طموحة.

 

“هورايزن”.. حين تتحول الصورة إلى معرفة

 

استطاع الفيلم أن يوظف الصورة والبحث العلمي لرسم خريطة حية للتنوع البيئي. عبر تنقل الكاميرا بين جبال السروات، وسواحل البحر الأحمر، وصحراء الربع الخالي، والواحات الشرقية، يربط الفيلم الجغرافيا بالتاريخ، والبيئة بالثقافة، ليُظهر كيف كانت هذه المناطق يومًا ما مأوى لحيوانات نادرة، بل وشبه منقرضة، مثل:

 

• النمر العربي، الذي عاد اسمه ليُطرح بقوة بعد برامج الإكثار وإعادة التوطين

• الوعل الجبلي، الذي يصارع للبقاء في أعالي الجبال

• الغزال العربي والثعلب الرملي والقط الرملي، التي شكلت جزءًا من الحياة اليومية لبدو الجزيرة

• السلاحف البحرية والطيور المهاجرة، التي تحوّلت إلى مؤشرات على صحة النظام البيئي البحري والجوي

 

هذه الكائنات، كما قدمها الفيلم، ليست “مشاهد جميلة”، بل شهادات حية على ما كانت عليه البيئة في الجزيرة العربية قبل قرون.

 

استعادة الكائنات.. استعادة التاريخ

 

ما يميز “هورايزن” أنه لم يكتف برصد التنوع البيئي القائم، بل أشار بذكاء إلى ما فُقد من الكائنات عبر الزمن، وإلى الجهود التي تبذلها المملكة – عبر هيئات الحياة الفطرية والمحميات – لإعادة هذه الكائنات إلى موائلها الأصلية.

 

هذا البعد يجعل الفيلم محاولة لاستدعاء التاريخ الطبيعي لشبه الجزيرة، وفتح حوار عميق حول كيفية استعادة التوازن البيئي الذي اختلّ نتيجة التغير المناخي والصيد الجائر والتوسع العمراني غير المنظم.

 

من الوثائقي إلى السياسات الوطنية

 

يتقاطع الفيلم مع رؤية المملكة 2030، التي وضعت “جودة الحياة” و”الاستدامة البيئية” ضمن أولوياتها، عبر مشاريع مثل:

 

• مشروع إعادة توطين النمر العربي

• إنشاء وتوسعة المحميات الملكية

• الحد من الصيد الجائر وتنظيم النشاط البيئي

• تشجيع السياحة البيئية الواعية

• التوعية المجتمعية من خلال التعليم والإعلام

 

وهنا، يُسهم “هورايزن” في تقديم البيئة السعودية ليس كمنتج بصري سياحي فقط، بل كمسؤولية وطنية، ومصدر اعتزاز حضاري وثقافي.

 

أخيراً : البيئة كمرآة للهوية والمستقبل

 

لقد قدّم “هورايزن” نموذجًا يحتذى في كيفية تحويل السينما الوثائقية إلى أداة معرفية تُعيد ربط الإنسان بأرضه وتاريخه الطبيعي. الفيلم دعوة لأن نقرأ بيئتنا ككتاب حيّ، نعيد اكتشافه، ونحميه، ونورثه للأجيال القادمة، بكل ما فيه من تنوّع نادر، وحيوانات لطالما كانت جزءًا من رواية المكان والزمان في الجزيرة العربية.

فالحفاظ على هذا التنوع هو استثمار في الحياة، وفي الذاكرة، وفي مستقبل وطن يستحق أن يُروى بصوت البيئة…

شاهد أيضاً

نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام يتطوع ليكون مسؤول المالية

بقلم الكاتب/ عوض بن صليم القحطاني أشار القرآن الحكيم إلى نماذج من تطوع نبي الله …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com