
بقلم/ إبراهيم العسكري
ربما نتفق جميعًا بأن الارهاصات أو حتى الطعنات التي نتلقاها بالحياة هي في الواقع دروس وعبر واختبارات منا من يتجاوزها بآثار خفيفة، ومنا من تبقى لديه الآم قد تكون مدى الحياة. الأشد مرارة من ذلك حينما تصدر تلك الطعنات من جانب مقرب كنا نتوقعه ملاذًا في الكربات، ثم نتفاجأ بأنه مصدر الألم والظلم، ليعبر من خلاله الغش والفتك والخيانة وخيبات الأمل، ومنها ما يصل إلى القهر الدائم.
يحدثني صديقي بقصة قريبة ذلك الشاب اليافع عندما أخبر أهله برغبته في الزواج من أحد الأسر، ولكن والده أصر عليه باختيار ابنة عمه الشقيق لأبيه. الابن البار رضي بذلك الخيار، طالما أبوه يرى ذلك زيادة في الترابط الأسري بذوي القرب. تقدم الأب لأخيه مصطحبًا ابنه، طالبين القرب بزواج ابنه من ابنة عمه. رحب أبو البنت بالفكرة بمبدأ سمننا في عسلنا وتمت البروتوكولات المعتادة أثناء عقد القران.
ولأن الابن الزوج قروي بسيط، وابنة عمه ترى انها متطورة عاشت مع أبيها بإحدى المدن الحديثة التي كانوا يظنون جزافًا أن عيشهم بتلك المدينة يمنحهم فوقية عن المجتمع القروي البسيط.
اتفق الأطراف على موعد إتمام الأفراح وإكمال دخول القفص الذي كان بالفعل هشًا وان يتم الفرح في فصل الصيف.
بقي الأب وابنه وأسرتهم مركزين على جمع ما يسترهم من أقاربهم لإكمال الفرح والزواج الذي سيحل بعد بضعة أشهر.
قرب الموعد وزاد الاهتمام بحضور أهل الزوجة لقريتهم لإكمال العقد وشمول افراحهم.
توزعت الدعوات وجاء موعد اللقاء في إحدى الصالات، وحضر الضيوف والمهنئين والداعمين معنويًا وبالميسور ماليًا.
يقول محدثي باسم الزوج: تعشوا جميع الضيوف ورقصنا وامتدحنا بشيلاتنا حتى حانت ساعة المغادرة من الصالة.
أثناء ركوب العروسة بجانب زوجها في سيارتهما المزركشة للذهاب لذلك الفندق المحجوز مسبقًا لمدة ثلاثة أيام قبل السفر لموقع شهر العسل، وبعد تحركهم بالسيارة أعربت الزوجة بأهمية زيارة بيتهم لتوديع أهلها وجلب بعض الضروريات التي ادعت نسيانها. حاول الزوج الإقناع بأن يكون ذلك في الغد، إلا أن الزوجة أصرت على الطلب حتى وافق الزوج على مضض.
ذهبوا للمنزل وبقي الزوج في الانتظار دقائق امتدت لساعات، وأغلق جوال الزوجة، مما اضطر لطرق الباب، ثم تفاجأ بأحد أقارب الزوجة يعتذر لتعبهم بعد ليلة الزواج، وأن على الزوج الذهاب لبيته وحده إلى الغد لعلهم يتدبرون الأمر. يقول الزوج: رجعت أجر اذيال مشلحي المشؤوم بلا ذنب، وأسحب أرجلي بتثاقل، وأفكر هل أبيت في الفندق على نية فرح الغائبة، أم أذهب لبيتنا لأخبر أهلي بعد تلك العزيمة المنتهية بالهزيمة.
قرر الزوج العودة لبيت أهله ليناظر سقف غرفته ويعد الثواني ويعيش الغبن تارة ويعشم نفسه تارة اخرى بأن الأمور ستزين في الغد.
بعد الفجر الطويل، تقابل الابن بوالده وتفاجأ الأب وهو يقول لابنه: عسى الأمر خير يا بني، وعساكم بخير، وما الذي أتى بك إلى هنا ليلة فرحك؟
رد الابن: حصل كذا وكذا.
الأب: لعل في الأمر خير يا بني، اطمئن وسأبلغ أخي أبو زوجتك بما يجب وستكون الأمور على ما يرام.
الزوج: تمام يا أبي، وأن كنت أشك في مصداقيتهم. ويضيف: ذهبنا اليوم التالي لدعوة عمي أخو أبي وأبو زوجتي وأسرتهم للعشاء لدينا، وبالفعل حضروا وتعشوا ثم ذهبوا جميعًا بما فيهم المحروسة. لنتفاجأ اليوم الثالث برحيلهم للمدينة التي حضروا منها لإتمام المسرحية.
يقول الزوج: أبي أكبر من عمي وأبي شهم كريم وحليم، فأشار عليَّ بطلاق ابنة العم وأن نحفظ لهم الود، طالما الأمر كذلك، ولعل الله يعوضنا ويعوضهم خيرًا، ويعوضك يا بني بما هو خير وأبقى.
ثم اضاف الابن البار: لبيت توجيه أبي، وطرقنا بابًا آخر كان فيه الحظ السعيد والعوض المديد في النسب وراحة النفس التي بدلت المسار لما هو خير بفضل الله وتوفيقه. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل ترقيت في منصبي، وصب الله لي الرزق صبًا، حتى أدركت أن اختيار ربي هو الألطف والأجمل والأروع والأزكى. فشكرًا لله وشكرًا لأبي وأمي وإخوتي ومن ساندني في موقفي، ولجميع أبطال قصتي السلام والمودة رغم الجفاء.
ومضة: يذكرني موقف الأب وابنه بأبيات المقنع الكندي:
وَإِن الَّذي بَيني وَبَين بَني أَبي
وَبَينَ بَني عَمّي لَمُختَلِفُ جِدّا
أَراهُم إِلى نَصري بِطاءً وَإِن هُمُ
دَعَوني إِلى نَصرٍ أَتيتُهُم شَدّا
فَإِن يَأكُلوا لَحمي وَفَرتُ لحومَهُم
وَإِن يَهدِموا مَجدي بنيتُ لَهُم مَجدا
وَإِن ضَيَّعوا غيبي حَفظتُ غيوبَهُم
وَإِن هَوَوا غَييِّ هَوَيتُ لَهُم رُشدا
وَلَيسوا إِلى نَصري سِراعاً وَإِن هُمُ
دَعوني إِلى نَصيرٍ أَتَيتُهُم شَدّا
عسير صحيفة عسير الإلكترونية
الله يعوض عليه فعلا صدمة بل صدمااااااات والشافي منها هو الأصعب ومن ترك شيئا لله عوضه الله ليس غريبا أن يحصل هذا من بعض الأسر لكن الأغرب أننا في زمن لا زال يوجد فيه عظماء شرفاء حلماء يتجاوز ن هنات ضعفاء النفوس بقدر ما يملكون من رجولة وتربية وعظمه.
الصَبرُ يوجَدُ إِن باءَ لَهُ كُسِرَت
لَكِنَّهُ بِسُكونِ الباءِ مَفقودُ
وَيُحمَدُ الصابِرُ الموفي عَلى غَرَضٍ
لا عاجِزٌ بِعُرى التَقصيرِ مَعقودُ
وَقَد نَفَت عَنكَ إِغماضاً مُلاحِيَةٌ
في كَرَمِها وَكَأَنَّ النَجمَ عُنقودُ
وَالمَهرُ يَعطيهِ أُنثى غَيرَ مُنصِفَةٍ
سَيبٌ مِنَ اللَهِ وَالمَهرِيَّةُ القودُ
وَالنَقدُ يُهدى إِلى الدينارِ مَكرُمَةً
فَلَيتَهُ بَعدَ حُسنِ الضَربِ مَنقودُ
لا يَحمِلُ اللَيلُ هَمَّ الساهِرينَ بِهِ
وَلا يُجانِبُ حُزناً وَهُوَ مَرقودُ
(أبو العلاء المعري – رحمه الله)
جميل
ياسلام