القطار… الناقل المعوق!

يبدو أن حكايتنا مع القطار حكاية طويلة، على رغم أنه يحمل مواصفات مختلفة، لا يحملها قطار آخر، فهو اليتيم على أرضنا الحبيبة، وفوق هذا اليتم يتصف بالغرور، واليتم والغرور ضدان لم يجتمعا إلا في ناقلنا المعوق، كما أنه يخطئ ويقتل ويوجع ولا أحد يعاقبه أو يتساءل عن سوء أفعاله، وفوق هذا وذاك يتصف بكبر السن، وهو ربما ما أضفى على حوادثه وانقلاباته وفواجعه طابعاً طبيعياً ومتوقعاً، ولن أنسى فوق علل اليتم والغرور والكبر علة البطء، والقطار لا يتقدم خطوة للأمام إلا في العلل الأربع السابقة.

الخطوط الحديدية، وهي المشغل لهذا القطار اليتيم، تستيقظ بعد انتهاء الحوادث بساعات يسيرة، وهي ساعات إعداد البيان التوضيحي عن كل حادثة، وتتمدد في أيام الاطلاع على الموازنة العالية والضخمة تمهيداً لبعثرتها على حديد القطار الوحيد بلا تخطيط ولا تنظيم، والمفيد أنها تنام في ما تبقى من الوقت، ولذا فمن الظلم أن يبقى اسم الخطوط الحديدية كما هو، وجدير أن يستبدل إلى حين أن يليق هذا الاسم بها وتكون كفؤاً له، فهي ترعى خطاً واحداً رعاية لا تليق ولا تمنح الثقة في مستقبل مقبل. قطار واحد ويحدث له انقلاب، ومن قبل يتورط في حوادث اصطدام، أين هو الخطأ بالضبط؟ هل قدراتنا بالفعل لم تصل لمستوى الإدارة المنضبطة لخط سكة حديد، أم أن المسؤول يفكر في أقل الخسائر للآليات ويضع البشر خارج الحساب؟ أم هي الحقيقة المتربعة خلف أن المسؤول لدينا متأكد من أن كل شيء سيحدث إلا أن يعاقب على إهمال أو تقصير؟

الحادثة الأخيرة، وانقلاب قطارنا المسكين، حادثة طبيعية في ما لو كانت سكة الحديد توزع شرايينها على امتداد الخريطة، طبيعي بالنسبة والتناسب وبالمقارنة والمقارنة، لكنه فاضح حين نسجل في الخط نفسه حادثة تلو أخرى، فتؤكد من دون ذرة شك أن الخلل في فشل المسؤول وشيخوخة القطار.

أتحدى أن يتبرع صوت من الصف الأول في سكة الحديد ليعلن مسؤوليته الرئيسة أو الثانوية عما يحدث، وإن كانت هذه الشجاعة مستحيلة جداً، فأتحدى أن يتقدم معلناً الاستقالة كرد فعل جريء على مسلسل حوادث القطار الوحيد، ويسجل سبقاً لم يحدث من مسؤول خَدَمِي.

ما يغيظ هو أن يخرج مسؤول من الجهاز المعني بالقطار ويعلن أن الحادثة لم تُعرف أسبابها بعد، في ما المواطن العادي لو سُئِل عن أسباب حادثة القطار لملأ أسماعنا بالأسباب وشرحها بالتفصيل الممل. مللنا من مسؤولي بيع الكلام وعشاق الفلاشات ومن يمتهن لغة «نحن الأفضل والأكثر دقةً وتعاملاً فنياً»، هو قطار واحد وفقدنا الثقة فيه، وفي من وراءه، فكيف بالقطارات المقبلة التي ملأت الدنيا ضجيجاً، وأصحاب الخبرة والتجربة طوال السنين الماضية غير قادرين على التعامل مع قطار واحد معتل ولا نفض الغبار عنه، ولا تجديد الدماء فيه، ولا الترجل من كراسيه وترك الأمكنة للأنشط والأجرأ والأجدر.

فشل العقود، حوادث التصادمات، غياب التخطيط، والتطور الأخير الذي وصل لحوادث الانقلابات، يشير إلى أن الخلل كبير ولا علاج إلا بالتغيير والمحاسبة وتعرية السبب أياً كان، والتوصل لنتيجة معلنة، لا نريد تصريحاً ولا دفاعاً عن الناقل المعوق، قدر ما نريد من يدافع عن أبرياء ذنبهم أنهم رموا الثقة ذات زمن في قطعة من الحديد، يقنعهم مسؤولوها دوماً بأنها صالحة للاستخدام البشري، لكنه تجاهل ولم ينسَ أن يقول لهم إنها قابلة لإفزاعهم في أي لحظة، وتهيئ الركاب للانتقال مفجوعين موجوعين عبر سيارات الإسعاف في غمضة عين!

>

شاهد أيضاً

سكر الأجاويد في نهار رمضان

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com