علي القاسمي
ليست شكوى بقدر ما هي تساؤلات بريئة موجهة لمن يسوق المبررات والحجج ويركز على الزوايا والأمكنة بعيون واحدة إنما بنظرات مختلفة، نحلم في مدينة سياحية أولى بمقاعد تنقل المريض المنهك، والعجوز المسكينة والشاب العاطل إلى مدن الكبار ومراكز العلاج وفرص المعيشة الأوفر.
نحلم بمطار تطالعنا فيه وجوه العاملين بما تيسر وسَهُلَ من الابتسامات ولو كانت بلا ظهور لطاقم الأسنان، نحلم بموظف يترك هاتفه المحمول في الطاولة السفلية إلى أن ينتهي من أرقام الطابور الطويل الذي يدندن به كلما طلب شخص مساعدة عابرة حتى لا يمرر في الدقائق العشر رقماً واحداً لتصبح المسألة مهزلة حقيقية.
بات المقبل لهذه الأمكنة والمدن – الصغيرة المساحة والكبيرة بعدد المنتظرين والمتعبين – يرتب أوراق حجوزاته منذ شهر ونصف الشهر وكأن جدوله المستقبلي معلوم بالدقيقة والثانية لشهرين مقبلين على الأقل، نحلم في هذه المدن المتواضعة بطائرة نتلصص من خلالها على ما يعرف بالدرجة الأولى لا أن نذهب في قاطرة لا يوجد بها هذا المسمى إلا في أوراق الحساب وأوامر الإركاب، نحلم بطائرة مشابهة على أن تحتوي ثلاث فئات من درجات السفر وأن تكون متاحة بمقاعد معقولة لا أن تلفحنا برياح الإغلاق العجيبة لكل المقاعد والرحلات، فيما تستطيع علاقة من الطراز الفاخر أن تضع مقبلاً من الخلف وبلا أي مجهود في المقعد الذي ننتظره بشق الأنفس وربما في الوقت الذي نرغب فيه، على رغم الوجوه الصارمة والإيمان المغلظة باكتمال المقاعد والممرات وخلو الجهاز المسكين من أي فراغ قد يتمكن فيه راكب مضطر من ممارسة «الزحلقة» كما يمارس غيره بالعلاقات الشخصية. متى يأتي اليوم الذي أشاهد فيه هنا مسؤولاً من العيار الثقيل في جهاز الخطوط، ذا حضور مقل بوسائل الإعلام حتى لا يُعرَفَ، فيرتب له منذ أيام ويمر مرور الكرام على محطاتنا العزيزة في أطرافنا المظلومة وتزين وجوه التقصير، وتنقلب بقدرة قادر عشوائية التنظيم والفوضى في الترتيب. من أجل أن يتمكن مواطن من شراء تذاكره لرحلة متعبة يكون لزاماً عليه أن ينتظر ما لا يقل عن أربع ساعات وبمعدل مواطن لكل ما يقارب 10 دقائق بحسبة سريعة ليوم انتظار شخصي قريب، ليتحدى المؤهلون جزئياً الظروف ويتجاهلون التباين الكبير في الفارق المالي بين درجات السفر الذي لا يعدو كونه من الداخل شكلياً بإغراء تمرة واحدة وفنجان قهوة يتيم وذلك كله من أجل ضمان السفر، ويلاحظ مع خالص الدهشة أن جل الخدمات التي من المفترض أن تقدم لطبيعة المدفوع الهائل ناقصة العدد، أي بمعنى آخر بلا موظفين وان حدث وشاهدت موظفاً ما فهو غير قادر على أن يبذل أكثر من العمل الذي يرغب به وليس لديه دافع لأن يجتهد ولو بخطوة واحدة. معاناتنا مع الخطوط في مدن الأطراف تفوق الوصف لا في عدد الرحلات أو نوعية الطائرات وحجمها، أشعر بأن الزائد على الحاجة في المدن الكبيرة يذهب لهذه الأجزاء الصغيرة الحجم الكبيرة الجرح والطموح، معاناتنا مستمرة وهي تعني أن الآذان التي تسمع معاناتنا تضع في نصفها طيناً وبالأخرى عجيناً، ولاحظوا أني قلت الآذان التي تسمع ولم أقل الوجوه التي تشاهد، فلم أشاهد وجهاً مسؤولاًَ، لأن رحلاتهم مؤكدة بأقل كلفة، وبالدرجة الأعلى، وبالطائرة المنتقاة وفوق ذلك مخدومون بكل لمحة وخطوة، هل باعتقادكم سيشعر هؤلاء بأن هناك خطأً كبيراً أو تقصيراً متزايداً؟ لا أعتقد والمطار «الأبهاوي» المسكين، الذي أكتب منه الآن، يبكي ويشكو ولكن لم يعد ينفع البكاء ولا فائدة من شكوى تقف في المنتصف!