تقول الإحصائية الأخيرة – ولست مقتنعاً كثيراً بإحصاءاتنا – لكون الأرقام تحضر من دون معرفة بالطريق ولو المبدئي الذي انطلقت منه، تقول إن العانسات وصلن إلى الرقم مليون ونصف المليون، ويحذر المختصون من أن يرتفع الرقم إلى ما يقارب الأربعة ملايين عانس، وأعترض هنا بأن انتقال الرقم من مليون ونصف المليون إلى أربعة لا يعد ارتفاعاً بقدر ما هو قفز مجنون لنا الحق في ان نصرح علناً وعلى المكشوف بالمسببات التي تقف وراء هذا القفز المحذر منه بحسب التوقعات.
قضية هذا الرقم قضية كبرى، مفصلية إن صح التعبير في مجتمع متطور متجدد منفتح، تستحق أن نضعها أولوية من أوليات الحوار والنقاش المقبلة، فستتسع معها المشكلات وتتزايد الشكاوى العائمة، التنظير وهو خطوتنا العلاجية الدائمة تجاه أي جزء من قضايانا سيزيد الأمر سوءاً لأن الأرقام ستذهب للأعلى، ونحن في مأزق تحديد المسببات، والخلاف على أيها يستحق العناية والالتفات، والهروب ربما من المسبب الأول، والانشغال عنه بمسبب أقل أهمية. ولا أتحدث هنا وأنا قابض على جملة الأسباب أو قادر على وضع أولويات لها، إنما لن تخرج عن عادات وتقاليد قاسية ولا معنى لها، إلى تعصب قبلي مروراً بارتفاع للمعيشة والدخل والمساكن، وانتهاءً بالشروط التعجيزية للمقبلين للعش المنتظر.
رقم العنوسة المعلن أخيراً يقابله الرقم ذاته من الطرف الآخر، خصوصاً أن نسبة السكان للجنسين قريبة من التساوي في التعداد الأخير، والمشكلة جذورها طافحة على السطح الاجتماعي إلا أن هناك صمتاً يلف المكان، أملاً في حل يأتي من السماء، أو أن نصل لحل من الأرض لا يعترض المسببات بأي وجه وطريقة.
قبل أيام أسدل الستار على الملتقى الأول على مستوى المملكة الذي يعالج طرق التأهيل العلمي والشرعي الضابط للسلوك الاجتماعي والرسمي للخطابات والخطابين في المجتمع السعودي، وقد أكون «متشائماً» في ما لو قلت أن نتائج هذا الملتقى لن تتجاوز مكان انعقاده، وإن تجاوزت فلن تتمكن من مواجهة العوائق الكبرى التي تقف جنباً لجنب وراء ارتفاع أرقام العانسان السعوديات.
مجتمعي والحق يجب أن يقال فيه من لم يقتنع بمهن شريفة تدر لقم عيش له ولمن يعول، فكيف له أن يؤمن بمهام ودور الخاطبات والخاطبين ويتفهم ويفهم دورهم، وقد أضع بين أيديكم حلاً بدوياً ليمر عليه المهتمون بهذا الشأن ولو مرور الكرام، ولا بأس أن يحسب ورقة أولى للبحث عن حل: اعرفوا أين يعيش هؤلاء العانسات عبر دراسة اجتماعية جادة «متعوب» عليها ومجتهد فيها بالفعل، اسألوا عن مصدر دخلهن، وانتماؤهن القبلي؟ ما العقبات – على لسانهن – تلك التي حرمتهن من حياة زوجية كريمة وبسيطة؟ ثم لنأخذ الأسباب بالنسبة والتناسب ونذهب لآلية عمل فعلية جديدة لتقليصها إلى أقل ما يمكن، أما القضاء عليها بالكلية فأحسب ذلك مستحيلاً، قد نقضي على شيء من الأفكار والرغبات والعادات والتقاليد والوعود لكن كم نحتاج لأن نُصَفِي العقول من كل هذه الشوائب، ما أريده قبل المغادرة أن تتبرع جهة اجتماعية مخلصة لتضع مسببات العنوسة في السعودية واحداً تلو الآخر وبصراحة تامة، على الأقل لنقف معها وجهاً لوجه وحينها فقد أعذر من أنذر، والأبواب أؤمن بأنها مفتوحة لمن يشعر بظلم زائد ومعاناة مكبوتة لكن لا نعتقد أو نكتفي بأن يحل الخاطبون والخاطبات هذه المأساة المقبلة وأن نتخلى عن التنظير والاكتفاء بإعلان الأرقام كأسلحة مضروبة لاصطياد الحلول.>