كيف لنا أن نستوعب بعد كلّ هذه الخطوات الحثيثة في القراءة والاطلاع والتقدُّم العلمي وتبدُّل المفاهيم وتغيرها وتوصل النّاس في أبعد نقاط الكون إلى حقيقة تفيد بأنّ زيادة المعرفة تمنح الإنسان التواضع، وتزيده شفقة، وتقرِّبه أكثر من العدل والإنصاف.. وتهبه الرّحمة التي تنشدها الحياة السويّة والحقيقة المنتظرة.. كيف لنا أن نرهف أسماعنا اليوم إلى حكايات لا تقبلها فطرة، ولا يقرّها دين، ولا يمتثل لها عرف؟!
لا أكاد أصدق أنّ لدينا أكاديميين اليوم بعقول معلمي الستينيات والسبعينيات، ولا أكاد أستوعب أن يكون الأكاديمي اليوم في جامعة الملك خالد فاقد المعرفة في زمن الانفتاح، وفاقد الرحمة في زمن حاجة أبنائنا وبناتنا إلى قدوات فعليّة، وفاقد الأعطية في وقت يفترض ألاّ يقبل فيه إفلاس، ولا يُنْظَر فيه لفارغ!
ليس واحداً أو اثنين أو ثلاثة بل أكثر من ذلك بكثير الذين انهالت علينا رسائلهم بعد أن وجدوا في رحابة الأمير فسحة، وفي سعة صدره منحة، وفي لفتته الجميلة باباً للفضفضة!
حكايات مؤلمة لا تقف عند مبنى أو قاعة أو كرسي أو طاولة، ولا تنتظر درساً أو معملاً أو جودة أداء.. لا تلتفت إلى شهادة أو قيمة علميّة، ولا حتّى درجة تُمنح على استحياء أو تؤخذ بغير وجه حقّ.. لكنّها حكايات تبحث عن إنسانيّة أستاذ، وقلب أب، ومشاعر وطنيّ منتمٍ، لا تبحث عن لوائح وأنظمة تدفعها قسوة، ولا تلتقط هفوة؛ لتصنع منها حكاية أوّلها إرهاب وآخرها طرد!
حكايات تبحث عن إنسانيّة ضائعة في أروقة جامعة الملك خالد، أبطالها أكاديميّون كثيرون، فيهم سعوديون درسوا في أمريكا وبريطانيا، وفيهم غير سعوديين رأوا قدواتهم السعوديين فأرادوا التشبُّه بهم،وضحاياهم شباب جامعيون، يبحثون عن كرامة أهدرها أكاديميون!
أكاد أجزم بأنّ دردشة عشوائيّة في هذا الفضاء الرّحب مع طلاّب ينتسبون إلى جامعة الملك خالد في أبها كفيلة بأن تهبنا حكايات لا أوّل لها ولا آخر من المعاناة التي تتفطّر لها القلوب الرحيمة.. هم لا يبحثون عن المستحيل، هم يبحثون عن أكاديمي يعمل بإخلاص،ويتعامل بإنسانيّة، ويقدّر أنّ لكلّ شخص ظروفاً ما،وقدرات، وحاجات إنسانيّة لا تغيب عن أصحاب الهموم الوطنيّة الكبرى!
حكايات تبتدئ بالرسوب دون وجه حقّ، وقد تنتهي بالفصل دون مسوّغات نظاميّة أو قانونيّة.. مبرّرها الوحيد أنّ كلّ شيء بيد أكاديميّ لا يقدّر مسؤوليته ولا يستوعب دوره في الحياة.. وما أكثرهم في جامعة الملك خالد!
معضلة جامعة الملك خالد ليست في مبناها فقط، ولا في قاعاتها، ولا في نظافة ممراتها، ولا في إدارتها فقط.. معضلة جامعة الملك خالد في أكاديميّيها السعوديين وغير السعوديين!
>