سأبدأ بهذه القصة الهادفة للعِضة والعِبرة لعلها تكون سبباً إلى تغيير وضع قائم مأزوم” قبل بضع سنوات استيقظ الشعب الأرجنتيني صباح احد الأيام ، وإذا بتجّار الدواجن والبيض قد اتفقوا على رفع سعر البيض مرة واحدة ــ كما هو حاصل اليوم مع تجارنا في أغلب السلع ــ المهم . عقدوا التجّار اتفاقهم دون أن يفكروا لحظة واحدة أن هناك من لا يستطيع أن يجد قوت يومه ، وأن هناك من يكدّ النهار والليل ؛ ليسدّ رمق أطفال جياع ، وأن هناك من هو عاجز ومريض ومديون ومن ليس لديه وظيفة.. هل تعلمون لماذا؟ لأنهم تجّار جشعون طماعون ، لا يهمهم إلا أن يملؤوا جيوبهم وتتخم أرصدتهم بأموال الناس الغلابة . كيفما اتفق ــ كما هو حاصل اليوم أيضاً ــ فماذا حصل لتجّار البيض الأرجنتينيين؟ الشعب الأرجنتيني ـ ما شاء الله عليه ـ شعب متطور ليس في كرة القدم فحسب . بل في كل المجالات . شعب يفهم الحضارة . ويعرف القوانين .. إذ كان المواطن الأرجنتيني ينزل إلى التموينات /اسواق المواد الغذائية . ويأخذ البيض . وعندما يجد سعره مرتفعاً ، فإنه يعيده مكانه وكذا الحال مع كل السلع ــ ليسوا مثلنا ــ ويقول : لابأس . ليس هناك داعٍ للبيض حالياً ، لا يضر أبنائي إن تركوا البيض مدة بسيطة ، ولن يموتوا جوعاً إذا ما أكلوا بيضاً ! فالأكل ولله الحمد والشكر متوافر ، وكان هذا حال جميع المواطنين الأرجنتينيين، كل أفراد الشعب الأرجنتيني متفقين فكرياً وثقافياً فيما بينهم على المقاطعة الجماعية ، فعندما وجدوا أن سعر البيض مرتفع تركوه في السوق إلى أن فسد .. شعارهم ( خلـّوه يَفسد !) فماذا تتوقعون أنه حصل بعد ذلك ؟ بعد أيام ، وكالعادة تأتي سيارة التوزيع الخاصة بالشركات الدواجن ؛ لتنزل الكميات الجديدة من البيض الطازج ، لكنهم فوجئوا بأن أصحاب المحال يرفضون إنزال أي كميات جديدة ؛ نظراً لأن البيض الذي لديهم ما زال كما هو لم ينقص ؛ لأن الناس المستهلكين عزفوا عن الشراء فقام التجّار بإعادة الكميات إلى مستودعاتهم ، وقالوا : لنصبر أياماً قليلة ؛ لعل وعسى أن يعود المواطنون إلى شراء البيض ، انتظر التجار أياماً ، وانتظر الشعب أياماً .. وانتظروا .. وانتظروا . بلا جدوى . ولكن هل تعلمون من هو الخاسر الأكبر في مدة الانتظار هذه ؟ هل هم المواطنون الذين لم يأكلوا البيض ؟ أم هم التجّار الذين رفعوا سعر البيض ؟ ولا تنسوا الدجاج خلال هذه مدة الانتظار ما زال يبيض ويبيض .. ويبيض . فالدجاج واصل إنتاجه وتورط التجّار في البيض الذي ملأ الدنيا ، فقد تكدّس البيض في الثلاجات والمخازن والمستودعات والبقالات والسوبر ماركت .. دون وجود مشتر ٍ، والدجاج الخائن في المزارع كأنه قد اتفق مع المواطنين ــ ضعوف الله المساكين ــ وواصل إنتاجه من البيض ، ولم يتوقف ، وأصحاب التموينات والأسواق والسوبر ماركت والبقالات .. لم يطلبوا ، فالبيض الموجود لديهم بالأسعار الجديدة ما زال معروضاً في أطباقه على الرفوف ! وبعد أيام عدة اتفق التجّار الجُشّعْ ، هذه المرة اتفاقاً جديداً ؛ وهو بيع البيض بسعره السابق قبل الارتفاع ، ولكنّ الشعب الأرجنتيني الواعي الأبيّ رفض العرض وأمتنع عن الشراء مرة اخرى أو بالمرة .. وذلك لكي يتأدب التجّار الأرجنتينيين ، ولا يعودوا لمثلها أبداً، فعاد التجّار ــ المتورطين مع وعي وثقافة المستهلكين ــ وخفضوا من سعر البيض مرة أخرى ، ولكن الشعب العظيم لم يشترِ البيض . فكادت عقول التجّار تزول وتطير .. فالخسائر تتراكم والدجاج يبيض والمستهلكين امتنعوا بشكل جماعي عن الشراء حتى محلات (الشكشوكة) لم تشترِ البيض ! أخيراً وبعد كل هذه التخفيضات . اتفق التجّار بأن يبيعوا البيض بربع سعره قبل الارتفاع ، مع تقديم اعتذار رسمي عبر الصحف المحلية للشعب الأرجنتيني وبعدم تكرار ما حدث ، وخافوا تجّار الألبان والحليب والسكر والدقيق واللحم والسمك والدواء.. وحذوا حذوهم في تخفيض الأسعار حتى لا يجدوا أنفسهم أمام مقاطعة جماعية تحيل أرباحهم إلى خسائر فادحة ! وأصبح الشعب الأرجنتيني فائزاً في معركته مع التجّار . وفائزاً بأنه يشتري البيض بخصم 75% من سعره الأصلي .. ” هذه القصة أوردتها من منقولي للذكرى النافعة. ولكي تحذوا الشعوب التي تواجه جشع التجّار وطمعهم حذو الشعب الأرجنتيني . تلك هي ثقافة الامتناع والمقاطعة التي نريدها كي نعيش بلا غلاء فاحش!! أرجو أن يُطبق قانون التسعيرة الشاملة المناعة من أي تلاعب في الأسعار. فقد سمعت بها قبل شهور وحتى الآن لا حس ولا خبر ! وكل رمضان ونحن إلى الله أقرب .
· قاص وروائي >