من لليتامى….



ليس اليتم عيباً ولا تهمةً، فقد ذكر الله اليتيم في القرآن الكريم للرفع من شأنه،وليس لانتقاصه،أو أنه ضحية القدر،أو إن مكانه أسفل الهرم الاجتماعي.

اليتيم مُقدر ومكرم دعانا الله إلى إكرامه ومخالطته والرفق به والتكامل معه ابتداء بالعطف والحنان تجاهه ومسح رأسه ومصافحته وكسر غربته، وانتهاء بتزويجه وهذا من أعظم مظاهر التكامل والتكافل والاندماج الذي تدعوا إليه الشريعة الإسلامية الغراء.

وما أجمل البشارة من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حينما يشير بقوله ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما)) رواه البخاري

واليتيم الذي أود الحديث عنه هو الذي افتقد دفء وحنان وعطف وتربية ووجود أحد والديه أو كليهما،وإن كان أهل اللغة يُعرفون اليتيم بمن فقد أباه إلا إنهم يسمون من فقد أمه بالمنقطع، ومن فقد والديه جميعاً يسمونه باللطيم،ولا شك أن من فقد أمه أشد يتماً ممن فقد أباه،لأن دور الأم يفوق دور الأب في المراحل الأولى للطفولة في الحضانة والرعاية يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (.. أمك ثم أمك ثم أمك؛ ثم أبيك))

واليتم الكبير هو من فقد أبويه جميعاَ، ويُلحق بذلك اللقيط ومجهول النسب لأن اليُتم فيهما آكد،والمصيبة عليهما أشد فمنظومة اليتم لا تقتصر على فقد الأب وإنما يُعتبر فقد الأب وحده أخف درجات اليتم، لكنها تعظم درجة اليُتم حينما يفقد اليتيم أحد والديه أو كليهما في وقت مبكر ليجد نفسه في ميدان الحياة الفسيح يُغرد خارج السرب في فضاءٍ باهتٍ مليءٍ بالمتناقضات والمتاعب والمتاهات،وسط معركة دامية ،ليس معه فيها سلاح ،ولا وسيلة نجاة، فلا أحد يُجيب على تساؤلاته،ولا يلبي احتياجاته ،ولا يُقيل عثراته،ولا يقبل اعتذارا ته، وهو في كل ذلك لا يتقن مهارة الهرب لأنه غض الإهاب، ولا يقوى على اختيار الأصلح، فيركب عبثاً موجة الحياة، لتتقاذفه الأمواج من كل مكان،وتخطفه الأهواء من كل جانب،وتتفرق به السبل فلا معنى للحياة عنده ، ولا قيمة للوقت لديه، ولا تقدير للمسؤولية. فيجد نفسه مضطراً بلا مسؤولية ولا روية أن يركب الموجة لتأخذه يميناً وشمالاً.

أناشدكم بأن ترفقوا باليتيم،وترحموا اليتيم ،وتأخذوا بيد اليتيم،إن اليتيم ليس كغيره وان كل نظرة منه تحتاج إلى استشاري يحللها ويفحصها ،ومراكز بحثية تسبر أغوارها، لأن اليتيم لا ينظر بعين واحدة بل بكلتا عينيه.

إن تعاطي المجتمع مع قضية اليتم بحاجة إلى إعادة نظر وقراءة جديدة تجعل اليتيم يتجاوز مرارة ما “يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت”.

لا شك أن اليتم قصة شائكة يتضح خطرها في مجتمعات لا ترعى لليتيم ذمة ولا حرمة،ولا يدرك أبعاد اليتم إلا من اصطلى بناره، وسبر أغواره، وجربه،وعاش حياة صعبة فقد فيها الدفء والحنان والرعاية…

صدقوني إن اليتيم ليس بحاجة إلى المأكل والملبس والمسكن أكثر من حاجته إلى الحنان والعطف والرحمة والشفقة التي فقدها في وقت مبكر.

اليتيم يعيش بحقوق مهضومة ،ودموع مسكوبة،ومشاعر مؤودة،وأحاسيس مكبوتة، فمن استطاع أن ينقذ نفسه من اليتم فليفعل..كيف لا واليتيم يرى الآباء تداعب وتلاعب أطفالها…ولا يلعب معه أحد.

ويرى الآباء تمسح دموع أطفالها … وهو لا يجد من يمسح دمعته ويهدئ من روعه ، ويرى الأطفال ينامون في أحضان آبائهم…وهو يفتقد هذا الحنان وذلك الدفء.

يرى الآباء يجبرون بخواطر أبنائهم يشترون لهم ويهدونهم ويُفسحون أطفالهم…ويجد اليتيم نفسه معتقلاً في سجون اليتم،ومحكوم عليه بالمؤبد.

أناشدكم…ألاَّ تبخلوا على اليتيم بمسحة حانية،بعطف،بابتسامة،برحابةصدر،بهدية،بزيارة ، وأيقنوا بمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة،وثقوا إن اليتيم لن يضيعه الله ولن يهمله،وإن لليتيم رباً يحميه..

أناشدكم أن تغنوهم من فقر المشاعر الذي يعانون،وتخففوا من عذاباتهم التي يجدون ،وأن تغمروهم بالحب الذي يفتقدون ،وأن تُعرِّفُوا الناس بمصابهم الذي يصارعون.

أحسنوا إليهم فإن الله يحب المحسنين،وامسحوا على رؤوسهم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من وضع يده على رأس يتيم رحمة، كتب الله له بكل شعرة مدت على يده حسنة) رواه الإمام أحمد

أتمنى أن أكون قد أوصلت رسالة قرأتها على عجل في عين اليتيم وأُقدر وأُكبر من خلالها ولاة أمر هذا البلد وفقهم الله على رأس خادم الحرمين الشريفين ملك الإنسانية وهو يدفع نحو تأهيل اليتيم ورعايته بكافة الإمكانات والبرامج والشكر موصول إلى الموسرين والمحسنين الذين يتواصلون مع هذه الفئة الغالية علينا جميعاً،وادعوا القطاع العريض من هذا المجتمع المبارك أن يتعرفوا على هذه الشريحة،ويقتربوا منها،ويمسحوا على رؤوسهم،ويكفكفوا دموعهم فليس من الإنصاف أن نحرمهم مرتين ، مرة من عطف الأبوة وحنان الأمومة، وأخرى من رحمة المجتمع ورعايته،وتصور أخي أنك ذلك اليتيم الذي وجد نفسه من غير أب أو أم،فماذا يكون شعورك؟!!

إذاً فكن ذلك الذي يمسح الدموع ، ويضمد الجروح، فإن الخير باق في الناس إلى قيام الساعة،فكن من أهل الخير وكن من الراحمين الذين يرحمهم الله.

>

شاهد أيضاً

أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري

صحيفة عسير – مها القحطاني : استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com