عــسيــر, والبــدايــات الأولــى للتنــوير (الصحـــافة) (-3-)

تعثّر حلم صدورِ صحيفةٍ يوميّةٍ من عسير في مرحلتِه الأولى, ولم تصدر صحيفةٌ من عسير على الرغم من الشعور بالاستحقاق والقدرة, ولم تكد تمضي بضعةُ أعوام على تعثّر مشروعِ الصحيفة العسيريّة في مرحلتِهِ الأولى أواخر القرن الرابع عشر الهجريّ, حتّى استعاض المهتمّون بالصحافة بمجلّة الجنوب التي صدرَ عددُها الأول في المحرّم سنة 1404هـ, واستطاعَ الأدباء توجيهها إلى الوجهة التي تخدم الأدبَ والثقافة على الرُّغم من صدورِها عن الغرفة التجاريّة بأبها, يقول الأستاذ علي الأسمري عن هذه المجلّة في كتابه: ” هموم ثقافيّة عن المسيرة الأدبيّة في عسير”, : “وقد جاءتْ اقتصاديّةً بحتةً بحكم الاختصاص, ولكن حين أُسنِدَ أمرُ الإشرافِ على تحريرها وإخراجها إلى الأستاذ الأديب الشاعر علي آل عمر عسيري, وضعَ نصب عينيه تفرّدها كوسيلة نشر في هذه الرُّبوع, فجعل منها “رئة جمل” – إنْ صحّ التعبير- تتنفّسُ منها منطقةُ عسير تجاريّا, واقتصاديّاً, وفكريّاً, وأدبيّاً, وثقافيّاً, وأفسحَ مجال النشر فيها لكلِّ القدرات الشابّة, والمتمرّسة, فكانت بحقّ مجلّةً جامعةً, ارتفعتْ نسبةُ توزيعها, واختفى رجيعُها من المكتبات, وتضاعفَ قرّاؤها, ومحبّوها, والمعجبون بها, وتكاثف الإقبالُ عليها, وأصبحتْ بحقّ شعلةً ثقافيّةً, وإعلاميّةً عامّةً, تركتْ بصماتِها واضحةً على أديم الخارطة الأدبيّة في الجنوب عامّة, وعسير خاصّة, وبقيتْ كذلك حتّى احتجَبَتْ منتصف عام 1409هـ”, والحقُّ أنّ هذه المجلّة قد أثّرتْ في الجيل الجديد من الشعراء والكتّاب, وأنّها –الآن- تعدُّ مصدراً رئيساً من مصادرِ أدب عسير في تلك الفترة, وقد عاودتْ المجلّةُ الصدور في ربيع الأوّل سنة 1424هـ, بعدَ توقفٍ دامَ خمسةَ عشر عاماً, حيث عملتُ مع الأستاذ عبدالله مطاعن, والأستاذ سعيد الأحمري على إعادة صدورِها إبّان عملي مستشاراً إعلاميّاً بالغرفة التجاريّة الصناعيّة بأبها, وحاولتُ – جاهداً – أنْ تستمرّ على نهجِها المائلِ نحو الأدب والفكر والثقافة, و أنْ تكونَ مرآةً عاكسةً لثقافة المكان بكلّ عناصرها, حتّى غادتُها سنة 1427هـ, ومازالت تصدرُ بغير انتظام حتّى عام 1430هـ, حيث صدَر منها مائة عدد, لكنّ بعض الارتجالات الإداريّة قد أقامتْ بعض الحواجز في طريق هذه المجلّة بوصفها مشروعاً تنويريّاً كانت له طموحاتٌ كبيرة.

وبعد عقدين من تعثّر مشروعِ صحيفةٍ يوميّةٍ تصدرُ من أبها سنة 1398هـ, “صدَرت الموافقةُ الساميةُ على تجديد الترخيص لمؤسّسة عسير للصحافة والنشر بإصدار صحيفة الوطن عام 1418هـ”, وصدَر العددُ الأوّل منها في الثاني من رجب سنة 1421هـ, لتصبحَ ذات شخصيّةٍ صحفيّةٍ مختلفة, إذ صارت الثقافةُ فيها شاملةً للإبداع, والرأي, وكانت لها “الأسبقيّة في تجاوز حدود المملكة في البحث عن العقول المفكّرة أينما كانوا على كوكب الأرض لاستكتابِها, وتقديمها يوميّاً لأبناء الوطن, في محاولةٍ منها للارتقاء بالمستوى الفكري والثقافي للمواطن”, وعلى الرُّغم من ذلك فإنّ بعض المهتمّين من أبناء عسير يشعرون بشيءٍ من الاغتراب حيال هذه الصحيفة؛ إذ لم يكن لهم دورٌ واضحٌ في قيادتِها تحريريّاً, وإن كانَ يُحمدُ لها تشكيلُ بعض الكتّاب من أبناء منطقة عسير, من أمثال: علي الموسى, ومجاهد عبدالمتعالي, وإبراهيم طالع, وعبدالله ثابت, وفتحُ الأبوابِ أمام بعض الروّاد مثل: أحمد عسيري, لكنّ الشعورَ بتجاهلِها لمفرداتٍ كثيرة مازالَ يسيطرُ على بعض مثقّفي منطقة عسير, وهو شعورٌ مُبَرّرٌ عند النظر إلى آمالهم فيها, وعند مقارنتها بالصحف الأخرى في المناطق السعوديّة المناظرة, بيد أنّ الرؤى تختلفُ حول هذا الشعور, ومدى موضوعيّته .

*إعلامي وأديب.وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد>

شاهد أيضاً

أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري

صحيفة عسير – مها القحطاني : استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com