وأنا أتابع حفل افتتاح مهرجان قس بن ساعدة، عبر القناة الثقافية، كنت كمتعصب يتابع مباراة حاسمة؛ أذهب إلى الشاشة، ثم أعود إلى مقعدي، ثم أذهب إلى الشاشة، وأعود.. وهكذا حتى انتهى الحفل البديع، وسُلمت الدروع، ثم اغرورقت عيناي بالسعادة.
بعد الحفل/المباراة، تسألني عائشة عسيري: “اش بك كنت قلقان ومتحمس؟”، فأجبتها: لأني أحب؛ أحب نجران وأهلها، وأريدها صورة مختلفة عن الأجزاء المعتمة في “نجران تحت الصفر”، ليحيى يخلف، لأنني أريدها مبهرة كما آل إليه حالها.. أريدها فوق الأرقام كلها، لأنها تستحق.. أريد لمناسبتها الثقافية أن توازي طموحات الجيل الجديد من شبابها الواعين.
يا عائشة، كنتُ قلقاً، لأني أحب صالح زمانان، وأريد لملحمته الحلم أن تكون كما يريد، كلما وضع رأسه على المخدة يقظاً، وأحب صالح سدران وأريد أن تكون جميع التفاصيل، كما يتمنى ويصف في كل اتصال ـ (الآن، صالح سدران يتصل بك)، اتصل بي صالح وأنا أكتب هذه الجملة بعد ساعة من نهاية الحفل، متسائلا عن سبب تأخري، فكان “الغبار” عذرا مقبولا لديه ـ، وأحب سعيد آل مرضمة، وأريد له ولزملائه الرائعين نجاحا نقيا كقلوبهم، وأحب “المستشار المنحاز” إبراهيم طالع الألمعي، وأريد لكلمته أن تكون سدرة تشبهه، وأحب المخرج علي زينان اليامي ولا أريد أن تهتز أي “كاميرا”، أو يخطئ في أي لقطة.
يا عائشة، كنتُ قلقاً، لأني أريد أن يرى أمير نجران أن دعمه المادي السخي لملتقى قسّها، كان بأيدي مثقفين بررة، قادرين على المزج بين إمكاناتهم الفنية العالية، ووعيهم النادر، والشيم المتراكمة التي تكتنزها صدورهم المتسعة للوطن، كل الوطن، بكل ثرائه الثقافي الذي لا يكون إلا مع التباين والمشترك معا؛ ذلك أن التباين دليل على التنوع الذي لا يتحقق إلا في أوطان ذات جذور وأغصان، والمشترك مما لا يختلف حوله أحد.
كنتُ قلقاً، لأني أدرك أن هؤلاء طليعيون حقيقيون بالنسبة إلى المكان المملوء بالتاريخ والرجال، وأنهم ـ بعد عقود ـ سيدخلون تاريخ نجراننا الثقافي بوصفهم رواداً، لأنهم ـ حقا ـ أول الفاعلين الثقافيين الحقيقيين في نجران.
كنتُ قلقا، لأني أعرف ـ عن قرب وبعد ـ حجم الجهد الذي بذلوه، وحجم الآمال التي يأملونها، وحجم الصدق الذي يصدرون عنه، وأعرف أن قلوب النجرانيين كلهم معلقة بمناسبتهم الثقافية الفريدة، والجديدة في طريقة تصدير ثقافة المكان، واستعادة التاريخ.
مهرجان قس بن ساعدة، نفي ماثل لكل التناقضات التي كانت تقلق “أبو شنان” في “نجران تحت الصفر”، ولقطات مغايرة تماما، لتلك التي وثقها “ستيفن هايدن”، من على ظهر سيارته “الروفر”، برغم اعتراض “سمية”، لأن “قس بن ساعدة” مرآة عاكسة لنجران الآتية من القمة إليها.>
شاهد أيضاً
الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة
صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل : انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …